صدمتني الجريمة المروِّعة التي ارتكبها ستة من عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي عندما قتلوا رجل الأمن الذي يعمل في قوات الطوارئ الخاصة بالمملكة العربية السعودية، ومكمن الصدمة يتمثل في الآتي: 1- أن من قام بالجريمة هو من أقرباء القتيل باستدراجه إلى مكان بعيد وهو أعزل وقتله غدراً بدم بارد بكل وحشية وخسة. 2- أنهم يحملون شهادات عليا؛ فأحدهم طبيب والآخر مهندس. 3- أن القتلة لديهم رسالة واضحة من زعيم التنظيم الإرهابي، المدعو «البغدادي»، يقول نصها: اغدر بأقربائك لأن هذا هو المعروف وأعظمه أن تقتل قريبك وتتبرأ من أي دم بينكما. وهذه ليست الحادثة الأولى التي يقتل فيها أعضاء من تنظيم «داعش» أقرباءهم، حيث هناك سلسلة من الأعمال الإرهابية التي قام بها داعشيون في الفترة الماضية، والأخطر أنها أصبحت جزءاً من نفسية ومنهج وسلوك أعضاء هذا التنظيم. وعلينا أن نلاحظ هنا أن مثل هذه الممارسات الهدف منها طبعاً أن تتفشى عادة القتل بين الأقارب، لتدمير الأسرة العربية المسلمة من الداخل وتفكيك أواصر الترابط بينها وزرع الشك فيما بينهم، وصولاً إلى تدمير الجوهر الذي تقوم عليه الأسرة المسلمة. وكثيرون لاحظوا هذا التوجه الخطير، والذي هو من نتائج ظهور مثل هذا التنظيم في المنطقة وإفرازاته، حيث تشير غالبية الأدبيات السياسية إلى وجود علاقة تربط بين هذا التنظيم وقوى خارجية. وكما قال البروفيسور تيم أندرسون في كتابه «الحرب القذرة»، فإن «الأدلة على العلاقة السرية بين واشنطن وتنظيم داعش كبيرة، ومنها أن أبرز قادة التنظيم كانوا محتجزين في سجون تابعة للولايات المتحدة، وزعيم التنظيم نفسه، إبراهيم البدري الملقب أبو بكر البغدادي، احتجز لحوالي عامين في معسكر يوكا الأميركي بالعراق، وهو عميل للمخابرات المركزية الأميركية سي إيه أيه والموساد». إذن هناك تأكيد واضح وصريح على هذه العلاقة. ولعل الخطر الأكبر في هذا الصدد إنما يتمثل في ممارسات وأفعال هذا التنظيم وشبكاته المندسة في أنحاء المنطقة العربية والإسلامية، لأنها «أفضل» وسيلة يمكن للقوى الخارجية استخدامها والاستفادة منها في تمرير مخططاتها واستراتيجياتها حيال المنطقة، لاسيما أنها وظفتهم بصورة مباشرة لإنجاز مشاريع التقسيم والتفتيت، بعد أن امتد نشاطهم إلى مناطق منيعة، فوصل إلى قتل وإيذاء الأقارب، وأصبحت جرائمهم تتم بأوامر من زعيم التنظيم ووفق منهجية تفكيره الذي توظفه القوى الخارجية. القضية إذن ليست في حجم هذه الجريمة، وكمية العنف الذي يستخدمه هذا التنظيم وخلاياه، ولا في مسألة تشابه أفعاله بما كان يفعله «الخوارج» في أيامهم.. بل في نوعية الجريمة وعنف مرتكبيها الذي وصل إلى درجة إهدار دماء المسلمين بصورة جنونية ووحشية. وهذا أخطر ما أصاب المجتمع في السنوات الأخيرة، لأنه أصاب أهم خلية في المجتمع، وهي «الأسرة» وعمل بقوة على أحداث «فتنة عميقة وعظيمة» في المجتمع المسلم. لابد إذن أن نفهم طبيعة مثل هذه الجريمة وهذا التنظيم وفلسفة توجهاته ودلائل ممارساته وسلوكه في إدارة التوحش وخطورة استراتيجيته البعيدة والغريبة على المجتمع المسلم، وأن نضع كل ذلك تحت منظار التشخيص النفسي والاجتماعي، حتى نصل لخلاصة واضحة ودقيقة تساعد على رسم الطريق المؤدي إلى علاج مثل هذه الفتنة العظيمة وشرورها المستطيرة.