يبرز تحول المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين في مظاهر عديدة، على رأسها اندثار الحدود تقريباً بين معسكري «اليسار» و«اليمين» فيما يتعلق بالسياسة الأمنية، وتوحد خطابيهما في إطار تنامي نفوذ الأحزاب المتطرفة، الدينية والقومية، التي تدعم الاستيطان، وتؤيد أي مشاريع تعزز وترسخ الطابع اليهودي للدولة الصهيونية، حتى بات «اليمين» هو المعبِّر الفعلي والفاعل عن السياسة الإسرائيلية في مستوياتها كافة. وقد حذر عديد الكتاب والمحللين الإسرائيليين والغربيين في السنوات العشر الأخيرة من أن اليمين الجديد المشكل من: السفارديم (اليهود الشرقيين)، والمهاجرين الروس، والمتدينين الأرثوذكس، و«المستوطنين»، سيتحكم في سياسة إسرائيل. ورغم اختلاف المصالح فيما بين هؤلاء جميعاً، فإن الكاتب اليميني المتطرف «يوعز هندل» يقول: «الصراع الذي كان بين الليبراليين والمحافظين في المجتمع الإسرائيلي يجري في الوقت الحالي داخل الصهيونية الدينية. وهي النخبة الجديدة التي لا تعنيها الحلول الوسط». و«هندل» هنا يتحدث عما أسماه انتصار القومية اليهودية المتطرفة التي تختفي وراء الصهيونية الدينية، أي ما سبق وأشرنا إليه منذ أشهر بـ«داعش اليهودي». ولقد وصل تحكم وسيطرة هذا اليمين إلى أمور الحياة اليومية المتعلقة بالفرد في المجتمع الإسرائيلي. فقد صادقت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع على مشروع قانون تقدم به النائب «ميكي زوهر»، من حزب «الليكود»، يستهدف التشديد على فتح المتاجر في أيام السبت. وحسب مشروع القانون، فإن من يتجاوز قانون ساعات العمل والراحة سيغرم بمبلغ ثلاثة أضعاف من مردوده في ذلك السبت، وهو مشروع قانون وصفه الكاتب الإسرائيلي «سيفر بلوتسكر»: «ليس له أي صلة بالفكر الاجتماعي. هذا قانون إكراه ديني حزبي ائتلافي ومناهض للمجتمع، وليس أي شيء آخر». وفي مقال لأسرة تحرير «هآرتس»، بعنوان «الحكومة ضد الحياة»، ردت باستغراب على هذا المشروع بالقول: «تملصت إسرائيل حتى الآن من بند وضع الدستور، بسبب ادعاء الأحزاب الدينية بأن التوراة هي الدستور. وكبديل جزئي، سنت قوانين أساسية يفترض بها أن تثبت، ضمن أمور أخرى، حرية العمل وكرامة الإنسان وحريته. هذه القيم تفوق العبادة الدينية التي يريد النائب «زوهر» وشركاؤه فرضها على غيرهم. ولو كان العلمانيون في دولة إسرائيل أرادوا أن يفرضوا على المتدينين الذين يعيشون فيها العمل في أيام السبت، لكان هذا بالطبع إكراهاً مناهضاً للدين. هكذا بالضبط هو أيضاً مشروع القانون المضاد، للنائب «زوهر»، في فرض العطلة على من لا يريد العطلة». وفي سياق متمم ومحذر، جاء مقال «لنكن شعباً حراً»، حيث يكتب الدكتور «حاييم مسغاف»، فيقول: «أيام قاسية تمر علينا جميعاً. ذات مرة، قبل سنوات عديدة، كنا نعرف من هم الأخيار ومن هم الأشرار. وكانت خطوط الجبهة واضحة. اليوم الرغبة في الإساءة للآخر أصبحت حاجة هوس. يبدو أن شيئاً ما قد تشوش لدى الكثيرين. لست أدري ما إذا كان العرب قرأوا تاريخ شعبنا، لكنهم بالتأكيد يعرفون منذ الآن بأن ما عليهم إلا أن ينتظروا بصبر بضعة أجيال أخرى حتى يسقط كل شيء في حضنهم كثمرة ناضجة». بل في مقال تهكمي، بعنوان «هم المنتصرون»، كتب الصحفي الإسرائيلي اليساري «جدعون ليفي» يقول: «يمكن إعلان الانتصار. القومية المتطرفة التي تختفي وراء لعبة الصهيونية الدينية انتصرت، وبشكل ساحق، مع تعيين المفتش العام للشرطة ورئيس الموساد والتعيين المتوقع للمستشار القانوني للحكومة. رئيس هيئة الأركان ورئيس المحكمة العليا ورئيس الحكومة، متدينون، وهي مسألة وقت. كل شيء يبدو وكأنه مصادفة والصورة آخذة في الاكتمال». ويصف «ليفي» هؤلاء فيقول: «لقد كانوا يهوداً مستعدين للنضال من أجل هدف جماعي، ولم يترددوا في استخدام كل الوسائل واستغلال ضعف السلطة ومشاعر الذنب والبلبلة في المعسكر العلماني. وقد انتصروا. فعلوا ذلك بحكمة ومنهجية. في البدء عززوا مواقعهم في المستوطنات، وبعد أن حققوا مطلبهم، وهو إفشال أي حل سياسي وتحطيم حل الدولتين، أصبحوا جاهزين للهدف التالي، وهو السيطرة على النقاش في إسرائيل على طريق تغيير النظام، طابعه وجوهره. في هذه الأثناء بدأوا بقطف ثمار انتصارهم. وهذه الثمار حلوة مثل العسل. وليس هناك من يوقفهم». ويختم الكاتب منبهاً ولائماً أبناء «شعبه» الإسرائيلي: «من ذهب إلى سبات عميق سيستيقظ قريباً ويجد دولة جديدة. وهو وحده الذي يتحمل المسؤولية عن ذلك».