تشير التقديرات والإحصائيات الطبية، إلى أن ما بين ثلاثة إلى سبعة في المئة من الأزواج، يعانون من مشكلة صحية، تمنعهم من الإنجاب. ومن بين هؤلاء، يعتقد أن المشكلة تكون في الرجل، في ما بين 20 إلى 30 في المئة من الحالات، أو في المرأة، في ما بين 20 إلى 35 في المئة من الحالات، بينما في البقية الباقية، أي ما بين 25 إلى 40 في المئة من الأزواج المصابين بالعقم، فتكون المشكلة مشتركة بينهما، أي أن كليهما يعاني في آن واحد من سبب يفقده القدرة على الإنجاب، وغني عن الذكر هنا، ضخامة حجم الأعباء النفسية، والتبعات الاجتماعية، التي تقع على كاهل غير القادرين على الإنجاب. وتتعدد الأسباب التي تؤدي إلى عقم الرجل، أو المرأة، أو كليهما، وإن كان من أهم أسبابه: الأمراض الجنسية المعدية، مثل الزهري، والسيلان، أو وجود عيب جيني وراثي في أحد الزوجين، مما يؤدي إلى إجهاض تلقائي متكرر. وأحياناً ما يكون هذا العيب الوراثي في شكل تلف حاصل في المادة الوراثية أو الحمض الأميني (دي إن إيه)، نتيجة التدخين، أو التعرض للإشعاع، أو تلقي جرعات كبيرة من العلاج كيماوي، المستخدم أحياناً في علاج بعض أنواع الأمراض السرطانية، كما تؤدي اضطرابات الهرمونات في الجسم أحياناً إلى انخفاض الخصوبة، وربما حتى العقم التام، كما في بعض حالات الإصابة بداء السكري، أو اضطرابات وأمراض الغدة الدرقية الموجودة في أسفل مقدمة الرقبة، أو اضطرابات وأمراض الغدة النخامية الموجودة في قاع الجمجمة. والمعروف والثابت أيضاً، أن العديد من العوامل البيئية، قد تؤدي هي الأخرى إلى العقم، مثل بعض أنواع الصمغيات، والمذيبات الكيميائية، والسيليكون، والمبيدات الحشرية، والغبار الكيميائي، واستخدام منتجات التبغ، حيث ترتفع نسبة العقم بين المدخنين بمقدار 60 في المئة مقارنة بغير المدخنين. ويعتمد علاج العقم على علاج السبب، ويستخدم لذلك عدة أساليب واستراتيجيات، يعتمد بعضها على الأدوية والعقاقير الطبية، أو على التدخل الجراحي، وإن كان من أشهر هذه الأساليب وأكثرها انتشاراً، الأسلوب المعروف بأطفال الأنابيب، أو الإخصاب خارج الرحم، والذي يتفرع لعدة طرق وتقنيات مختلفة ومتعددة، ولكن غالباً ما تقف هذه الأساليب العلاجية عاجزة أمام الحالات التي لا يستطيع الرجل فيها إنتاج حيوانات منوية بالمرة، أو الحالات التي تعرضت فيها أنسجة الخصيتين لتلف شديد، سواء بسبب علاج كيماوي أو إشعاعي لعلاج السرطان، أو بعد التعرض لعدوى فيروسية خطيرة، كما في حالات الإصابة بفيروس النكاف. هذه الحالات، وبناء على نتائج دراسة نشرت في العدد الأخير من إحدى الدوريات العلمية المرموقة (The Cell) والمتخصصة في أبحاث الخلايا، أجراها مجموعة من العلماء الصينيين في كلية طب جامعة «نانج»، يحتمل أن يتمكن العلم من مساعدتهم على الإنجاب. فعلى حسب هذه الدراسة، والتي أجريت على ذكور الفئران، واستغرقت جهداً كبيراً، ووقتاً طويلاً، نجح العلماء في توجيه بعض من الخلايا المعروفة بالخلايا الجذعية، أو خلايا المنشأ، من خلال كوكتيل من المواد الكيميائية، والهرمونات، وأنسجة الخصيتين، للتحول إلى شكل بدائي من أشكال الحيوانات المنوية، تمر به خلال مراحل نموها وتطورها في الخصيتين. وعند حقن هذه الحيوانات المنوية البدائية في بويضات إناث الفئران، تم التخصيب بشكل تام وطبيعي، وأنتج ذرية، كانت هي الأخرى قادرة على التزاوج والإنجاب بشكل طبيعي وعادي. ورغم أن التجربة التي تمت بنجاح حتى الآن، قد تمت على ذكور الفئران، فإن العلماء يعتقدون أنها تشكل اختراقاً علمياً بالغ الأهمية، ربما يفتح الطريق لتكرار نفس النجاح في ذكور البشر، وهو ما قد يستغرق عدة سنوات حتى يتحقق بشكل كامل. ومثلها مثل العديد من الأبحاث والاختراقات المتعلقة بالإنجاب، تصطدم تجربة العلماء الصينيين بالعديد من المعضلات الأخلاقية، والتي ربما كان من أهمها كيفية الحصول على خلايا المنشأ، كون الخلايا التي استخدمت في التجربة السابقة هي خلايا منشأ جنينية، أي تم حصدها من جنين، حيث لا يحتوي جسم الإنسان البالغ على مثل هذه الخلايا. ويرى العلماء أن حل هذه المعضلة، ربما يأتي من الأبحاث الرامية إلى تحويل خلايا الجلد في الإنسان إلى خلايا منشأ جنينية، بحيث يصبح الشخص ذاته هو مصدر خلايا المنشأ، وتنتفي الحاجة لإجهاض الأجنة وحصد خلاياها. أضف إلى ذلك، حقيقة أن نمو وتطور الحيوانات المنوية عملية بالغة التعقيد، وما نجح في الفئران، لا يشترط أن ينجح أيضاً في بني البشر.