تماماً مثلما كان يحدث في الأساطير الإغريقية، اجتاح وباء الحزب الجمهوري، على هيئة رجل، يعتبر من أكثر الدجالين الديماجوجيين نجاحاً في تاريخ السياسة الأميركية، وفي الوقت الراهن، يبحث الحزب الجمهوري بحثاً محموماً عن السبب، وفي هذا الوباء، وكيفية العلاج منه، دون أن يدرك أنه هو نفسه المسؤول عن ذلك، وأن العدالة الكونية تعاقب الحزب على ما اقترفه من الجرائم السياسية، بشكل تراجيدي مثلما يحدث في الأساطير الإغريقية. لنعترف بأن ترامب ليس ظاهرة استثنائية، ولا هو وليد الصدفة، وأنه لا يختطف الحزب الجمهوري، أو الحركة المحافظة، وإنما هو في حقيقة الأمر صنيعة الحزب، أو فلنقل إنه مِسخ فرانكشتاين الذي خلقه الحزب وقوّاه، حتى وصل إلى درجة من القوة بات معها قادراً على تدمير خالقيه. ألم تكن محاولات الحزب المحمومة للعرقلة، من خلال تهديداته المستمرة بإغلاق الحكومة، ودعواته المتكررة لإلغاء قرارات المحكمة العليا، وإصراره على أن التوافقات والحلول الوسط خيانة، وسماحه بالانقلابات الداخلية على زعماء الحزب الذين رفضوا الانضمام لحملة التدمير العامة.. هي في مجملها ما علّمت الناخبين الجمهوريين أن الحكومة والمؤسسات والتقاليد السياسية، والزعامات الحزبية، بل والأحزاب ذاتها، أشياء يمكن نبذهها، وتجنبها وتجاهلها، وإهانتها، بل والسخرية منها. وبالإضافة لكل ذلك، كان هناك أيضاً قبول الحزب بتجذير التعصب في صفوفه، وتوظيفه لتحقيق مآرب معينة. ليس القصد من هذا القول إن أغلبية الحزب من المتعصبين، ولكن من المؤكد أنهم كانوا من المساهمين في تمكين التعصب، حتى ترسخت جذوره. من الذي بدأ الهجوم على المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين، قبل أن يظهر ترامب على المسرح بوقت طويل، ويجعل هذا الموضوع شاغله الرئيسي؟ من الذي بث الخوف في قلب ميت رومني، ودفعه لبيع روحه عام 2012، والحديث عما أسماه «الإبعاد الذاتي» لكي يتقرب من القوى المناوئة للهجرة داخل الحزب؟ ومن الذي عارض أي وسائل مقنعة للتعامل مع المشكلة الأصلية الخاصة بالهجرة غير الشرعية، ما أجبر السيناتور ماركو روبيو (جمهوري- فلوريدا) على الرضوخ والتخلي عن مبادئه، بل وعن تشريعه الخاص بالهجرة، خوفاً من أن يجد نفسه خارج السباق الرئاسي، حتى قبل أن يبدأ. لم يكن ترامب هو من فعل ذلك، ولا الفوضويون في الحزب، وإنما خبراء الحزب ومثقفوه الذين كانوا يحاولون استغلال العواطف الشعبوية المتجذرة، ومعارضة أي تشريع قد ينسب الفضل فيه للرئيس أوباما من قريب أو بعيد. ألم يكن كل ما فعله ترامب أنه التقط من هؤلاء طرف الخيط، واستغل مخزون الغضب الشعبي، وكذلك مشاعر الخوف من الأجانب، والتعصب الذي كان الحزب قد أطلقه من عقاله؟ وبعد ذلك كله كانت هناك ظاهرة كراهية أوباما، وهي في صميمها متلازمة خلل عقلي يكتسي صبغة عنصرية، تجعل من أي تهمة موجهة لأوباما مقبولة، وأي معارضة له مبررة. ليس هناك شك في أن أداء الرئيس لم يكن على ما يرام في العديد من السياسات، وأن سياساته الخارجية، خاصة، ساهمت في إضعاف النظام الليبرالي الذي أقامته الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأنه يستحق الانتقاد والمعارضة الموضوعية على ذلك، لكن ليس ذلك النوع من النقد السام الذي وجهه إليه الجمهوريون والذي اتخذ شكلاً سوداوياً وفصامياً للغاية. بدلاً من اقتراح استراتيجيات بديلة مقبولة للأزمة في الشرق الأوسط، لجأ العديد من الجمهوريين إلى إثارة نزعات الإسلاموفوبيا، وتوجيه إشارات غامضة حول ولاءات الرئيس وانتماءاته الشخصية. كان المراد منا أن نؤمن بأن فيلق ترامب من الغاضبين كان غاضباً بسبب ركود الأجور والمرتبات، بينما الحقيقة هي أنهم كانوا غاضبين بسبب كل الأشياء التي قالها لهم الجمهوريون، وأقنعوهم أن يكونوا غاضبين بشأنها خلال سبع السنوات والنصف المنصرمة، وأنه من حسن حظ ترامب أنه كان الشخص الذي اجتاحهم، وتقدم حاملاً رايتهم، بمعنى أنه كان نابوليون حديث حصد ثمار الثورة، كما حصد نابليون بونابرت حصاد الثورة الفرنسية. ما الذي يتعين عمله الآن؟ إن مسخ الجمهوريين سوف يطلق من عقاله في الفضاء السياسي الأميركي، تاركاً للآخرين المهمة التي فشل الحزب في القيام بها. وبالنسبة لي كجمهوري سابق، وربما بالنسبة لآخرين، فإن الخيار الوحيد سيكون هو التصويت لهيلاري كلينتون. صحيح أن الحزب لم يعد ممكناً إنقاذه، لكن لا شك أنه ما زال بالإمكان إنقاذ أميركا. روبرت كاجان كاتب متخصص في الشؤون الخارجية وزميل رئيسي في معهد بروكنجز ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»