جاء في تقرير مقومات الحكم في البلدان العربية والتحديات في بلدان التحول نحو الديمقراطية، الصادر عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في أبريل 2014، أن هنالك اتفاقاً على ثلاثة أشكال للحكم، وهي: - الحكم السياسي أو العام (وسلطته الرئيسة ممثلة بالدولة والقطاع الخاص)، ويُعنى بطريقة تنظيم المجتمع لشؤونه وإدارتها. - الحكم الاقتصادي (وسلطته الرئيسة ممثلة بالدولة والقطاع الخاص)، ويُعنى بالسياسات والعمليات أو الآليات التنظيمية لإنتاج الخدمات والسلع وتوزيعها. - الحكم الاجتماعي (وسلطته الرئيسة ممثلة بالمجتمع المدني، بما في ذلك المواطنون والمنظمات غير الربحية)، ويُعنى بنظام للقيم والمعتقدات تسيّر السلوكيات الاجتماعية وترعى اتخاذ القرارات العامة. وهذه الأنواع من الحكم مترابطة في المجتمع، إذ يستمد من الحكم الاجتماعي أساساً أخلاقياً، ومن الحكم الاقتصادي أساساً مادياً، ومن الحكم السياسي نظاماً عاماً وتماسكاً. ويذكر التقرير مؤشرات الحوكمة كما أوضحها البنك الدولي، وهي: حرية التعبير والمساءلة، الاستقرار السياسي وغياب العنف، كفاءة الحكومة، نوعية الرقابة، سيادة القانون، وضبط الفساد. ويرى التقرير أن التحديات التي تواجه الحكم الديمقراطي في بلدان التحول العربي تتمثل في الآتي: الفراغ المؤسسي، الانقسامات المجتمعية والسياسية، مشاكل العمل الجماعي، خيبة الأمل، الركود الاقتصادي، الغموض في دور القطاع الأمني، واختلال الإدارة. ومع أن النخب في البلاد العربية سعت لتحقيق الحكم الرشيد، ومحاربة الفساد، وحماية الحريات، وإصلاح القضاء، ومنع التغول الأمني.. إلا أن تلك المحاولات لم يُكتب لها النجاح، وذلك للأسباب التالية: السلطوية، وغياب حرية الرأي، والتركيز على الجوانب الأمنية والعسكرية (مما يُرهق ميزانيات الدول ويخلق مناخات «الهلع» وخيبة الأمل.. والتي اعتبرها التقرير أحد التحديات التي تواجه الحكم الديمقراطي)، التدخل في القضاء، تلاشي شعارات المساواة أمام القضاء، عدم الاستقرار السياسي وكثرة التغيرات في أشكال الحكم واتجاهاتها، وأخيراً شيوع الفساد نتيجة وجود مراكز القوى والنفوذ. وفي مثل هذا المناخ تضيع الكثير من مقدرات البلاد، وينشطر المجتمع إلى شطرين، شطر أهلهُ من فاحشي الثراء، وشطر أهلهُ من المُعدمين الذين يجرفهم تيار الإقصاء نحو الانكفاء على الذات أو النقمة على الوطن. ويلاحظ التقرير أن كل رئيس يأتي للحكم في هذه الدول يعدُ مواطنيه بمحاربة الفساد، ثم يتضح بعد عقود من حكمه أنه لم ينجز شيئاً من وعوده، وأن الفساد ما زال يتغول على رغيف الخبز اليومي للفقراء والمعدمين. كما يسجل التقرير ضعف أداء الحكومة في هذه البلدان، وذلك نتيجة بقائها لفترات طويلة، مما يجعل أولويتها إنتاج «مقاربات» وحسابات اجتماعية تهدف لكسب تأييد المجتمع أو فئات منه. علاوة على الافتقار لأي مساع نحو مأسسة المجتمع، إذ يلاحظ التقرير أن بعض الأنظمة العربية تضع كل مقدرات الأمة في يد الحكومة، وهو أمر لا يسهم في تعزيز دور الفرد في خدمة مجتمعه، بل يوفر مناخات التكالب والأنانية وانتماء الأفراد لمصالحهم من دون الوطن. ويلعب الوضع الاقتصادي دوراً مهماً في تشكيل الحكم الرشيد، حيث يعاني المجتمع العربي تعثر المشاريع الحيوية الخاصة بالبنى التحتية، وتأهيل المجتمع وتحصينه ضد الأمراض الاجتماعية والأخلاقية المختلفة، بما في ذلك إساءة توزيع الثروة، والتركيز على مجالات محددة للإنفاق العام، مقابل تهميش المجالات الأخرى التي يحتاجها المجتمع؛ مثل تعزيز قيم العمل، والمشاركة الشعبية، والتأهيل العلمي والمهني، ودور المرأة.. وغير ذلك. وطبقاً لهذه الظروف التي تعيشها أغلب بلدان العالم العربي، فإن الحديث عن «حُكم رشيد» يبدو ضرباً من الخيال الجامح؛ إذ كلما تعقدّت الأوضاع الأمنية والعسكرية في هذا الجزء من العالم، تراجعت الآمال بمواجهة التحديات الواردة أعلاه في التقرير.