أخطر ما في النظام الإيراني أنه استطاع أن «يوهم» الكثير من المراقبين بأن هناك نوعاً من الانفصال شبه الكامل بين الأصوليين والمحافظين في إيران، بحيث أصبح هناك من يتمنى فوز تيار على الآخر، بل كانت النتائج الأولية التي أشارت إليها وسائل الإعلام بتقدم الإصلاحيين مصدر فرح لبعض المتابعين لانتخابات مجلسي الشورى والخبراء. فقد ظن هؤلاء المتابعون أن هناك تحولاً استراتيجياً يمكن أن يحدث في السياسة الخارجية الإيرانية حيال العرب، مع أن المشاريع السياسية التي أضرت بالعرب حصلت أثناء فترة الإصلاحيين، فعلى سبيل المثال تم بناء المفاعل النووي في عهد محمد خاتمي، وإن أعلن عنه في عهد أحمدي نجاد، واليوم نتكلم عن حرب طائفية وتدخلات في الشؤون العربية في عهد الإصلاحي حسن روحاني! من يتابع سلوكيات النظام الإيراني على مر التاريخ يدرك أن إيران لا يمكن أن تعيش كدولة طبيعية بأمن وسلام، وأن مسألة إصلاح أو تعديل ممارساتها الخارجية لن تحدث ما دام العرب يتعاملون معها بمبدأ حسن النية، فالأمر يحتاج إلى عمل وتنسيق سياسي عربي، لأننا أمام مشروع سياسي «ذا نفس» قومي فارسي. تغطية بعض الوسائل الإعلامية العربية للانتخابات الحالية والتوسع في طريقة إبراز «صعود» أحد التيارين الإصلاحي أو المحافظ بأنه سيرسم مستقبل السياسة الإيرانية، كان مبالغاً فيهما لدرجة أن هناك من بات يتوهم أن في إيران من لا يؤمن بمبادئ الثورة الإيرانية، أو أن شيئاً جاداً يمكن أن يحدث لمصلحة العرب بعد انتهاء الانتخابات، وأن الانشغال بوصول الإصلاحيين للسلطة أو مراكز صنع القرار قد يعني أن هناك «غيرة إيرانية» قد تحصل على مصالحنا، وأن هؤلاء الإصلاحيين لن يهدأ بالهم أو يستريح إلا إذا تم حل جميع الخلافات التي تسببت إيران بها. في الحقيقة، لم يترك ممثلو نظام الفقيه شيئاً يمكن الرهان عليه في مستقبل العلاقات الإيرانية العربية، ومن ثم فإن تغير الأفراد لا يعني أنهم لن يستمروا في مواقفهم ضد العرب. وجود اتجاهين للسياسة الخارجية الإيرانية هو إما كذبة إيرانية كبيرة يراد تصديرها للجوار العربي، وإما وهم أو سراب مطلوب أن يصدقه الناس العاديون سواء كان على رأس السلطة أصولي أو إصلاحي، وإذا كان اليوم هو علي خامنئي وهو من الأصوليين فلا ينبغي أن نراهن على أن القادم ربما يكون أكثر تفهماً أو الأفضل لنا، فهذه السيناريوهات غير موجودة في السياسة. إذن، ما الحل تجاه تدخل النظام الإيراني في الشؤون العربية وتغلغله في الداخل العربي؟ وكيف يمكن أن تكون مجتمعاتنا أكثر «مناعة» أمام غطرستها بعد أن تمكنت في دول مثل العراق ولبنان وسوريا؟! كل ما نحتاجه هو «الجرأة» في مواجهة النظام الإيراني لإعادته إلى الداخل الإيراني من خلال «إشغاله إعلامياً» بمشكلاته السياسية والاجتماعية، حيث أثبتت الحملة الإعلامية المرافقة لـ«عاصفة الحزم» أن هذه الطريقة هي الأفضل لوقف تمدده الفكري والعقائدي، بل أحلامه التوسعية الطائفية، والشيء «الرائع» أنه في الداخل الإيراني قضايا تساعد الإعلام العربي على إثارتها، قضايا اقتصادية تتمثل في البطالة والفقر لدى عدد كبير من الشعب، وكذلك قضية الأقليات القومية مثل «الأحواز» والبلوش والعرب الذين بدؤوا يظهرون في وسائل الإعلام الخليجية، حيث أسهمت هذه الإثارة والمقابلات في إرباك إيران وسعيها نحو التهدئة. ومن المهم جداً أثناء تبني الحملة الإعلامية أن نأخذ في الحسبان فهم اتجاه تفكير الشعب الإيراني نحو قياداته، ولعلنا نلاحظ من خلال ما ينشر إعلامياً أن هناك استياءً كبيراً وتململاً من تصرفات هذه القيادات، وهذا مدخل مناسب للعرب، ولكي تكون الحملة ذات تأثير فإنه لابد أن تكون باللغة الفارسية، وإلا فسنكون كمن يخاطب نفسه، على حين أن المستهدف هنا ليس العرب، وإنما الشعب الإيراني. أما النقطة الثالثة، فإنه ينبغي أن يمتد العمل الإعلامي، وأن تستمر الحملة وألا تكون مرحلية فقط. إن الصراع مع إيران صراع قومي وليس طائفياً (وإن كانت هي الوسيلة)، ومن ثم يحتاج العرب إلى رؤية سياسية يواجهون من خلالها إيران، وهذه الرؤية لابد أن تنطلق من فهم إيران من خلال السؤال التالي: هل هي جار طبيعي أم عدو تنبغي مواجهته؟!