صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد دعا إلى «إعادة إعمار فكري ترسخ قيم التسامح والتعددية والقبول بالآخر، فكرياً وثقافياً وطائفياً ودينياً». نبني على رسالة بو راشد في مقاله «وزراء للتسامح والسعادة والمستقبل.. لماذا؟!» يهمنا هنا المعجبين بهذا التغيير الذي وضع قدم الإمارات في فضاء المستقبل. ولا يهمنا أمر المستغربين والمتفرجين والآخرين من المتفرجين لأجل الشماتة ونثر بذور الكراهية والتعصب والتمييز في كل أمر يخص الإنسانية في تقدمها وتطورها. فهذه الفئة غرباء عن الواقع، معتزلين مع ذواتهم المريضة بالكبر والعجب وعدم القبول والرضى لأي مشروع فيه خير الإنسان وسعادته، لأنهم من طلاب الموت قبل أن يحين الأجل، ومن دعاة الظلام لأنهم مصابون بعمى الأنوار. رسالة بوراشد وخطابه الثري فتحا أبواب السعادة للجميع بلا استثناء وهو لم يقيد في دولته تلك السعادة الطموحة بالمواطنين، بل بكل نفس فيها، تطلب رزقها وتنشد الاستقرار في دارها داراً للطمأنينة والأمان الذي افتقدها في الوطن الأول. فالسعادة أرادها سموه غير محصورة بفرد دون آخر، فقد غذاها بالتسامح ونفى عنها خبث الكراهية والتعصب والتمييز العنصري، من أجل مستقبل خالٍ من تلك الآفات التي بثها نافخ كير «الربيع» الأصفر. لقد قال سموه منذ بداية انحدار ترمومتر الأمة العربية والإسلامية بأن التغيير جزء مهم لوقف هذا السيل المنهمر لإزاحة كل ما له صلة بالعمار من طريقه لبناء شيء آخر لا اسم له ولا عنوان وهو ما نشهده عياناً الآن. قال سموه منذ سنوات: من لم يتغيّر اختياراً يغيَّر إجباراً. وجاءت الظروف لإثبات صدق هذا الحدس السياسي والاجتماعي عندما ضاعت بوصلة العالم العربي، ووقعت في وادي التعصب والتطرف والكراهية والطائفية المنبوذة. وها هو اليوم يؤكد سموه على ما أشار إليه منذ سنوات قليلة: «بيدنا لا بيد غيرنا يأتي التغيير» هذا الذي يغفل عنه الكثير ممن يدعي التغيير، دون أن يملك أدواته الصحيحة والسليمة والمناسبة لهذا الزمن الشاب. وهو الحكمة التي استقاها سموه عندما غذى بالشباب حكومته الجديدة والتي أوقفت العالم على قدميه وإن كان وقوف البعض كان استغراباً واحتراباً. لم يشكل بوراشد حكومته ارتجالاً، بل بأحصنة تسابق الزمن في سرعة الصوت اليوم وسرعة البرق مستقبلاً، وهو الفارس الذي يدرك حقيقة سباق الزمن عبر الأجيال. الفئة التي لم تر من الإمارات إلا جانب الأبراج الشاهقة، جانبها الصواب، لأنها رأت ما تعتقد أنه قذى إلا أنه تحوّل في عينها جذعاً ضخماً أفقدته حسن الرؤية وقوة البصيرة. فالأبراج الحقيقية تقع ما خلف تلك المباني عندما ركّز سموه على أمر في غاية الأهمية لهذا الوقت بالذات، عندما تلاطمت أفكار التطرف والإرهاب والتعصب وكل ما يصب في هذا المنحى من المطالب المفسدة لمعاني الإنسانية، لانتشال المجتمعات من وهدة هذا الانحدار الفكري دعى سموه إلى «إعادة إعمار فكري ترسخ قيم التسامح والتعددية والقبول بالآخر، فكرياً وثقافياً وطائفياً ودينياً». لقد طمست الأفكار المنحرفة والأوهام الغائمة والخيال المريض لفئة دورها الفرجة على نجاح الآخرين والتربص بالماضين قدماً نحو الهدف الأسمى لسعادة الإنسان والبشرية كافة. لقد جاء في مقال سموه شرحاً وافياً لومضات فكره وحكمه المستفادة من تجارب الماضي والحاضر، لكي يعبر بشعبه من خلالها نحو مستقبل مضيء، يُعمي ضوءه عيون الحاقدين والحاسدين والذين لا يرون من الحضارة إلا لوناً واحداً، رغم أن البشرية متعددة الألوان والأجناس والأعراق والأديان. فحكمة بوراشد تقفز بنا إلى ما وراء المستغربين والقابعين وراء البحار والمحيطات والأنهار والفاغرين أفواههم من المتثائبين كسلاً وتخاذلاً، أمام ما يتم بناؤه في الإمارات من صروح المعاني السامية قبل البروج المشيدة، علماً بأن تلك البروج لم تبنِ إلا لتحقيق جزء من معادلة التنمية والسعادة والتسامح والتطور في كل المجالات التي تسعد الإنسان الهدف الأساسي لتكريم هذا الكيان بكل سبل الرفاه في: «خلق البيئة التي يستطيع الناس من خلالها تحقيق أحلامهم.. خلق البيئة وليس التحكم فيها.. وتمكين الناس وليس التمكن منها...» هذا جزء من رسالة سموه الحضارية موجهة لكل من يريد أن يعمر الكون بالمعاني قبل المباني نتمنى أن تكون وصلت إلى قلوب المعنيين.