في خطوة جريئة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قرر تجميد المساعدات البليونية إلى لبنان نتيجة لتكرار الموقف المعادي للهم العربي المشترك، حيث تحجج لبنان بسياسة النأي بالنفس التي اعتبرت حجة لعدم مواجهة سياسة طائشة ينتهجها «حزب الله» الذي تحول إلى دولة قائمة في داخل الدولة اللبنانية تحت حجة المقاومة المعطلة. تعرضت السعودية لهجوم منظم من كثير من الكتاب في بعض من الصحف اللبنانية، حيث اعتبر بعضهم أنه ابتزاز ومحاولة لإشعال فتنة طائفية، بينما تجاهل هؤلاء كل الأفعال التي يقوم بها «حزب الله» من أجل تمكين إيران داخل البيت العربي. الخطوة السعودية كانت مطلوبة منذ زمن حيث أدت سياسة التراخي وعدم الحزم إلى كثير من الأزمات التي اعتدنا عليها نتيجة غياب المبادرة في اتخاذ القرار، فإذا كان أشقاؤنا في لبنان ينتهجون سياسة اللاسياسة، فهم يتحملون المسؤولية حيال توسع «حزب الله» في الهيمنة على القرار السيادي. ولندع إيران تموِّن كل مشاريعهم، وإذا ما كان هناك تململ وخوف فليخرج ذلك من النفوس كما وصفه سعد الحريري بقوله: لبنان دولة عربية وليست فارسية. نعتقد أن الادعاء بسلاح المقاومة لم يعد له سوق، وكل الأوراق انكشفت، فكما يتهم «حزب الله» أهل السنة من الحكام برضى إسرائيل وبمباركتها سياساتهم، فنحن نقول إن الوثائق تؤكد لقاءات عديدة لعناصر إيرانية أو من «حزب الله» مع إسرائيل لحماية مصالحهم، ونحن لا نزايد على بعضنا البعض، فموضوع إسرائيل لم يعد ورقة رابحة في السياسة حيث متغيرات كثيرة حلت بالمنطقة، وما يعنينا هو الهجمة الإيرانية وتنشيط أذرع إيران في دولنا العربية ضمن اللعبة الطائفية، وهي كذلك ورقة انكشفت وتحولت إلى سوق رابحة لتجار السياسة. على مستوى دول مجلس التعاون، لدينا تفاوت في المواقف، فدولة الإمارات ومملكة البحرين سارعتا بإعلان الموقف المؤيد، ومن ثم صدر بيان من مجلس التعاون يؤيد الموقف السعودي، وإنْ كان هناك تفاوت بالسياسات لكل بلد خليجي حيال الموقف الموحد، فهناك من يرى أن الانفتاح والتعاون مع إيران ربما يكون الأجدى، وهنا نجد تغاضياً عن الأفعال المعادية والنوايا الإيرانية، بينما اختار البعض المواجهة، فدولة الإمارات وبسياسة هادئة تخلصت من الواجهات التجارية لـ«حزب الله»، بينما هناك دول خليجية أرى أنها ما زالت مترددة في تصفية هذه الواجهات التجارية التي تدر المال للحزب، على أمل تحاشي أية أعمال عدوانية للحزب. دول مجلس التعاون الخليجية بحاجة إلى مصالحة من الداخل وبمصارحة جريئة، فإذا كان هناك تململ من هيمنة سعودية على القرار الخليجي، فيجب مناقشة الموضوع بصراحة لأجل الوصول إلى صيغة متقاربة حيال الملفات الساخنة، فالمنطقة تواجه تحديات كبيرة وبحاجة إلى مبادرات جريئة لإصلاح البيت الخليجي وإلا فالنار تقترب من الجميع، ومن ثم لا ينفع البكاء والنواح على ما ضاع، فعلينا أن ندرك أننا نواجه موجات عاصية تسعى إلى إحداث تشقق في الجدار الخليجي وإلى تغييرات كبيرة في طبيعة نظم الحكم، فهناك توجهات جديدة تلوح في الأفق يقودها بعض الحلفاء أو الأصدقاء لتغير موازين القوى في المنطقة، فالقرارات السعودية في تأسيس أطر جديدة للتحالفات يتسم بالحكمة، وهو رسالة تعني الكثير لأصدقائنا الذين يراهنون على تغير موازين القوة في الإقليم الخليجي، وفي كل الأحوال، علينا ألا نغفل المصالحة الداخلية في دولنا، لكي نعضد الجبهة الداخلية، ونفوت الفرصة على المراهنات الخاسرة.