عندما عمد الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون إلى سحب آخر دفعة من القوات البرية الأميركية من العراق، ارتفعت أصوات المعارضين المحافظين لتحذر من أنه إذا لم يتم التأكد من إحلال السلام هناك فسوف يتعرض العراق إلى حالة الانهيار الكامل، وستجد الولايات المتحدة نفسها مجبرة على العودة، وستكون المهمة في هذه الجولة الثانية أكثر صعوبة وأعلى تكلفة، ولقد أثبتت الوقائع الماثلة على الأرض صدق هذه التحذيرات ودقة التنبؤ بها، وخاصة بعد أن امتدت أخطار الإرهاب من العراق وانتشرت في عدة دول مجاورة. وفي خريف عام 2008، أطلق السيناتور جون ماكين مثل هذا التحذير عندما قال: «إذا انسحبنا من العراق قبل الوقت المناسب، فسوف يعود تنظيم القاعدة إلى النشاط ليعلن النصر ويواصل إثارة النعرة الطائفية وما ينتج عنها من توتر مثير للحقد القديم بين السُّنة والشيعة، وبهذا تصبح الأرض جاهزة لغزوها من طرف التنظيم، وسوف يكون من السهل أن تتطور الحرب الأهلية في العراق إلى حملة تطهير عرقي تؤدي إلى إشاعة الفوضى في المنطقة كلها، وسوف تسارع الدول المجاورة للتدخل بحيث تساعد كل منها الطرف الذي تفضله، وأعتقد بأن الانسحاب الأميركي المتهور السابق لأوانه سوف يشكل نكسة مخيفة لمصالحنا الأمنية وقيمنا. كما أن إيران سترى في انسحابنا المتعجل نصراً لها علماً أنها أكبر دولة داعمة للإرهاب في العالم، ولها طموحاتها النووية، ولا تتردد في التعبير عن رغبتها بتدمير إسرائيل، وسوف تشعر أن قوة تأثيرها في الشرق الأوسط قد تنامت بشكل كبير». ومن الواضح الآن أن تكهنات ماكين كانت دقيقة للغاية. وعندما كان آخر فوج من جنودنا على وشك العودة من العراق عام 2011، قال السيناتور «الجمهوري» ماركو روبيو محذراً: «أشعر بالخوف من أن يؤدي الانسحاب التام لقواتنا من العراق في نهاية هذا العام (2011)، إلى تهديد الاستقرار والأمن الداخلي للعراق ويقضي على المكاسب التي حققتها الولايات المتحدة وقوات التحالف خلال السنوات العديدة السابقة، وسوف أشعر بخيبة أمل كبيرة إذا لم تتوصل الحكومتان الأميركية والعراقية لاتفاق إطار يقضي بالإبقاء على بضعة آلاف من الجنود الأميركيين في العراق لمحاربة تنظيم «القاعدة» واستئناف مهمة تدريب قوات الأمن العراقية ذات القيمة الحيوية بالنسبة للعراق في المستقبل. ولقد سارعت إلى حثّ الإدارة الأميركية بألا تجعل من القرارات التي تتخذها الآن عقبة في المفاوضات اللاحقة للإبقاء على علاقات دائمة مع العراق». ويبدو بوضوح أن روبيو أيضاً كان دقيقاً في نبوءته. ودعنا الآن نتحول إلى ليبيا، وهنا أيضاً، سبق لإدارة أوباما أن أعلنت عن انتصارها حتى جاءت هجمات بنغازي على القنصلية الأميركية عام 2012 لتؤكد أن استراتيجية الإدارة بعدم مواصلة التدخل في الأزمة الليبية منيت بفشل ذريع، وفي شهر فبراير 2013، حذر السيناتور الجمهوري «بوب كوركر» من أن الموقف كان يزداد تردّياً، وبأن خطر استيلاء الإرهابيين على ليبيا يتعاظم، وقال عقب قيامه بزيارة إلى ليبيا: «بات من الواضح أن الوضع الأمني في شمال أفريقيا قد تداعى خلال الأشهر الأخيرة، وسقط السلاح الذي يتدفق من ليبيا في أيادي الإرهابيين الذين ينتشرون في المنطقة وينشرون الفوضى وعدم الاستقرار في واحدة على الأقل من الدول المجاورة، وعلى أن هذا الانتشار الخطير للأسلحة والمقاتلين الإرهابيين في المنطقة يمثل عنصر قوة لتنظيم القاعدة ويساعده على تجنيد الفقراء والمهمشين في المناطق والأقاليم المنعزلة ذات التأثير الحكومي الضعيف، وبات من الواضح بأن المجتمع الدولي يحتاج إلى خطة فعالة قابلة للتطبيق لمواجهة الخطر الكامن في الإرهاب العابر للحدود الذي يهدد شمال أفريقيا، والذي يتبنى شعار التقدم إلى الأمام والانتشار أكثر، بدلاً من أن نضطر لتبنّي خطة تعتمد على رد الفعل على الأحداث التي تقع في كل دولة على نحو منفصل، ومن دون التنسيق الجاد بين الدول الموبوءة بداء الإرهاب، فإن الخطر الذي تمثله التنظيمات الإرهابية سوف يتفاقم». فما الذي فعلته إدارة أوباما إزاء هذه الأخطار التي تعصف بليبيا وشمال أفريقيا. الجواب هو: لا شيء، ولقد اكتفت بالبحث عن أفراد يشتبه بضلوعهم في تفجيرات بنغازي، وفي واقع الحال، أصبحت ليبيا ملاذاً للإرهابيين، وفتحت جبهة جديدة في حربنا ضد تنظيم «داعش». جنيفر روبين: محللة أميركية متخصصة بشؤون الأمن الوطني وسياسات الحزب «الجمهوري» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»