عندما كان الليبيون يزحفون في كل المدن الليبية للتحرر من نظام العقيد الذي اتصف بالفوضى وإهدار ثروات الشعب الليبي، كان معمر القذافي يلقي آخر خطبه ويتحدث أمام حشود وهمية، بينما لم يعد لديه سوى حراسه والمصور التلفزيوني الذي يسجل انفعالاته وهو يدق على الطاولة صارخاً ومتوعداً إلى الأمام إلى الأمام! وهذا ما قام به مجدداً قبل أيام المخلوع اليمني علي عبدالله صالح، الذي ألقى على ما يبدو خطاب الهزيمة الأخير، ومزجه بالاستجداء تارة وبالتهديد والوعيد الزائف تارة أخرى، متحدثاً بمفردات لا تختلف عن بعض ما ورد في آخر خطب ديكتاتور ليبيا، وهناك تشابه كبير بين الرجلين واشتراك في جنون العظمة والتشبث بالزعامة الآفلة. القذافي بدد ثروات ليبيا واستخدم الجيش ضد شعبه، وعلي صالح بدد القروض والمساعدات الخارجية التي كانت تُمنح لليمن، واستخدم كذلك معسكرات الجيش الموالية له، مستعيناً بـ«الحوثيين» للزحف على المدن اليمنية وحصارها وقصفها لبناء سلطة أمر واقع موالية لإيران، في تحالف شيطاني بين رئيس مخلوع يريد أن يعود إلى السلطة بأي ثمن، وبين مجموعة طائفية متطرفة تستمد تعاليمها من مرجعية بعيدة عن بيئة وثقافة الغالبية العظمى في اليمن والجزيرة العربية. ومما حرص المخلوع علي صالح على تكراره في خطابه الانهزامي رفضه لمقررات مؤتمر الحوار الوطني اليمني الذي اقترحته المبادرة الخليجية، وعلى وجه الخصوص قرار انتقال اليمن إلى النظام الاتحادي، وذلك تلبية لمخاوف حلفائه «الحوثيين» الذين يدركون أن وجود نظام اتحادي في اليمن سوف يضع لهم حداً ويظهر حجمهم الحقيقي ويعيقهم عن فرض أجندتهم ومشروعهم الطائفي. كما تعمد المخلوع صالح تحريض بقايا مليشيات الحوثيين بدفعهم إلى الأمام، وهو يعرف جيداً أنهم يتقهقرون إلى الخلف، وبخاصة بعد أن أصبحت قوات الحكومة الشرعية اليمنية على مشارف العاصمة صنعاء، بعد أن تم تطهير محافظة مأرب بالكامل وانتقال المعارك إلى ضواحي صنعاء التي تفصلها عن جيش الشرعية عشرات الكيلومترات فقط. وفي الوقت ذاته اندحرت جيوب «الحوثيين» في محافظة الجوف ومناطق شاسعة في محافظة حجة. لكن المخلوع يصمم في خطابه الأخير على التحالف مع «الحوثيين» المدعومين من قبل إيران، وعلى أن يضع لسيرته الذاتية نهاية سيئة تكشف عن هوسه بحب الزعامة وانتقامه من الشعب اليمني الذي أزاحه عن السلطة بعد ثلاثة عقود من فشله وفساده في الحكم. ولطالما كان صالح يكرر في خطبه ولقاءاته القديمة أن حكمه لليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين، ثم اتضح أنه الثعبان الذي سمم حياة اليمنيين وأهدر العديد من فرص التنمية، كما فشل في إدارة القروض والمساعدات السخية، وتحولت اليمن في عهده إلى ثقب أسود يبتلع المعونات الخارجية ولم تظهر لها أي جدوى في الواقع أو انعكاس على مستوى الحياة الاقتصادية لليمنيين. تضمن خطاب المخلوع نكهة هزيمة إلى جانب مراوغة واستجداء للمملكة العربية السعودية التي تقود التحالف العربي لإنقاذ اليمن وانتشاله من فوضى الحوثيين. وتناسى أن المملكة هي التي عالجت جراحه وأنقذت حياته في وقت سابق أثناء مغادرته الشكلية للسلطة، ثم انقلابه بالتعاون مع عملاء طهران على الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي. وظهر علي صالح في خطابه متناقضاً ومضطرباً وهو يحاول أن ينفي عن نفسه الارتباط بإيران، بينما يراهن في الوقت ذاته على جماعة «الحوثيين» الذين أصبحوا يدفنون قتلاهم في طهران، بعد أن ورطتهم في مهمة بناء سلطة موالية لها في خاصرة الجزيرة العربية، لكن التحالف العربي أعاق الطموح الفارسي، ولم يسمح بخلق بؤرة طائفية لنشر الفوضى في اليمن وتهديد الأمن القومي الخليجي والعربي. وعندما دخل الهلال الأحمر الإماراتي محافظة عدن ومدن جنوب اليمن بعد تحريرها من عصابات الحوثيين، وجدت طواقم الهلال الأحمر نفسها في مهمة إنسانية متشعبة، تجاوزت الجوانب الصحية والإغاثية إلى مستوى ترميم المدارس وتوفير الكراسي للتلاميذ، وانكشف حجم فساد نظام المخلوع. لذلك من حق أشقائنا في اليمن أن يواصلوا العمل بدأب على طي صفحة القذافي اليمني، وأن يمضوا هم إلى الأمام.