كان المواطنون الأميركيون السود يحتفلون بنتيجة الانتخابات التاريخية التي جعلت باراك أوباما أول رئيس أسود للولايات المتحدة في عام 2008، عندما كان الركود الاقتصادي يضرب ربوع البلاد. وبحلول عام 2011، خسر 53 في المئة من الأميركيين السود ثروتهم، بينما بات 1 من كل 3 أطفال سود يعيشون في فقر مدقع، مقارنة بـ 1 من كل عشرة بيض، ولا يزال الأميركيون ذوو الأصول الأفريقية يترنحون جراء أزمة الرهون العقارية، التي أفقدتهم نحو ربع مليون من منازلهم، ومن ارتفاع معدلات البطالة التي تجاوزت العشرة في المئة، ومئات المدارس المغلقة والفاشلة، ومن أوهام التقدم غير المحقق في دولة يترأسها رئيس أسود. وبدلاً من أن تصبح دولة مفعمة بالأمل بعد انتهاء عصر التفرقة العنصرية، واجهت الولايات المتحدة سلسلة من المواجهات المصورة بالفيديو بين الشرطة ومواطنين سود غير مسلحين، فيما يشير إلى المدى الذي لا يزال فيه العرق يمثل أهمية. وأبرزت الاحتجاجات الغاضبة بشأن التمييز العنصري المتزامنة مع وجود «كونجرس» عنيد، كيف أن انتخاب أوباما أخفق في تخفيف التوترات العرقية، بل ربما أججها. ويسلط «إيدي جلاود»، الأستاذ في جامعة «برينستون» الضوء على هذا التناقض في كتابه الجديد «الديمقراطية باللون الأسود: كيف لا يزال العرق يستعبد الروح الأميركية» ويهاجم المؤلف بقوة رفض الأميركيين الراسخ للاعتراف بوجود مشكلة تتمثل في «الممارسات المرتبطة بتفوق البيض»، والتي تضمن «انتفاع البيض وتعثر السود». و«جلاود»، أستاذ الدراسات الدينية والأفريقية الأميركية، يزعم أن انتخاب رئيس أسود وكذلك صعود أشخاص سود مميزين مثل «أوبرا وينفري»، لم يغيرا شيئاً أساسياً في إعطاء القيمة المعتادة لحياة البيض، مقارنة بالآخرين الذين يشكلون جزءاً أساسياً من الشخصية الأميركية. ويشير «جلاود» إلى أن «فجوة القيمة» هذه تساعد على توضيح أسباب التباينات الفجة في المدارس والأحياء ومعدلات البطالة ووفاة الرضع ومعدلات السوابق بين البيض والسود، إضافة إلى عمليات القتل بحق سود عزّل، والتي لم يحاسب مرتكبوها، وهم من يفترض أن يقدموا الحماية لأولئك الضحايا. ومن الأمور الفجّة أيضاً أن هذه التباينات أضحت «طبيعية»، نتيجة القبول الصامت للتمييز العرقي المنهجي والحاد، باعتباره سمة متجذرة في الديمقراطية الأميركية. ويؤكد المؤلف أنه «عندما نفهم مدى ارتباط الديمقراطية الأميركية وتفوق البيض، عندها سندرك مدى تشوه جهودنا الرامية إلى تقليص فجوة القيمة». ومن وجهة نظر «جلاود»، فإن الوهم المتعمد بشأن الاستثنائية الأميركية والقدرة الخارقة على حماية الديمقراطية، رغم استمرار التفرقة العنصرية يمنع كثيرين من الاعتراض على القوى الأساسية في جوهر الفكرة الأميركية. ويدعي المؤلف أن انتخاب أوباما بدد مكاسب السود لأنه دفع كثيرين، ومنهم بعض أعضاء المحكمة العليا، إلى اعتقاد بأن المساواة العرقية قد تحققت، وبناء على ذلك، أضحت جهود حماية حقوق تصويت السود- على سبيل المثال- غير ضرورية. وفي هذه الأثناء، بدأت مؤسسات كثيرة لطالما دعمت السود في أميركا، ومنها كليات السود التاريخية والصحف والكنائس، في الانهيار، بينما بدا الأميركيون معتادين على معاناة السود. ويزعم «جلاود» أن المشكلة ليس الفجوة بين مُثُلنا وممارساتنا، مثلما يؤكد كثير من الليبراليين، ولكن هي بالأحرى «فشلنا المتكرر في تقييم الأميركيين». وفي حين لا يتورع عن كيل الانتقادات للمحافظين السياسيين، فإنه أيضاً يلقي باللوم على هؤلاء الذين يفرطون في دعم السود، ورغم ذلك يخفقون في معالجة مأساتهم خوفاً من أن ينفروا الناخبين البيض. وائل بدران الكتاب: الديمقراطية باللون الأسود المؤلف: إيدي جلاود الناشر: كراون تاريخ النشر: 2016