أشعر بحالة من القلق والألم لموجة الهجوم الذي يتعرض له الإسلام وعلماؤه ومؤسساته، خاصة الأزهر الشريف ورموزه، ومصدر هذا القلق ليس لأن هذا العداء من غير المسلمين الذين تعود بعضهم على مهاجمة الإسلام، بشقيهم، الأول يجهل الإسلام، والثاني يحقد على الإسلام، ويستغل ما تفعله المنظمات الإرهابية باسم الإسلام للتطاول عليه، وبث الكراهية ضده، بل إن حالة القلق هذه المرة نابعة من أن بعض أبناء الإسلام الذي يفترض فيهم أنهم أول المدافعين عنه دخلوا مثل هذه اللعبة بهجمة استعمارية شرسة تحاول الهيمنة عليه، وتمزيق دوله وشعوبه وصرفهم عن عقيدتهم ولغتهم ودينهم وتراثهم الحضاري والروحي، في حين كان من المفترض أن يجندوا عقولهم وأقلامهم وألسنتهم للرد على أعداء الإسلام وأباطيلهم المسمومة. وتكمن المشكلة أكثر عندما تتعمق فيما يكتبه بعض هؤلاء عن الإسلام، حيث نجد أن أكثرهم يرددون ما يقوله بعض المستشرقين عن الإسلام ليتصيدوا من خلاله الشبهات، وكذلك ما يقوله بعض المتطرفين الذين انسلخوا عن دينهم الصحيح وعقيدتهم السليمة، وامتهنوا ثقافة الإرهاب كطريق للتعامل مع الآخرين، وما تنادي به بعض المذاهب والفلسفات المضادة للدين التي انخدع أولئك المثقفون بفلسفاتها. واجتمع كل هذا التلوث المضاد للدين في عقولهم، فتحول الأمر عندهم إلى وسيلة للتشكيك في الدين وثوابته وشعائره وأركانه، مرة باسم البحث العلمي، ومرة باسم حرية التعبير، والأخطر أنهم وجدوا من يمدهم من خلف الستار بكل الوسائل والمعونات المادية، ويفسح لهم الطريق نحو الشهرة والإعلام، ليصبحوا في الصدارة كرموز ومعاول هدم، وأيضاً أداة خطيرة لإثارة الفتنة في المجتمع الإسلامي، فلم تقف كتاباتهم عند سقف معين، بل أصبحوا أعواناً للمتحاملين يزرعون الشك في الدين في كل مكان، ووصلت بأحدهم أن يقول بكل وقاحة «إن الفقه الأزهري الذي يتلقاه طلاب الأزهر لا يخرّج إلا مجرمين وقتلة»! هؤلاء للأسف يجهلون معنى الدين، ولا يفهمون الفارق بين مسألة حرية التعبير والرأي من دون ضوابط، ومن حق الإنسان أن يعرب عن رأيه، وأن يكون حراً في عقيدته وفكره، حيث إن الإسلام لا يقف ضد حرية العلم أو الفكر أو الإبداع، ولكن يقف بشدة عندما يتعلق الأمر بالمساس بالدين وثوابته وسلامة المجتمع، لأن هذا المساس بالأديان هو الخطر بعينه والفتنة التي قد تحدث داخل بعض المجتمعات، فالسب والتجريح والسخرية والطعن والتشكيك في الدين تعاملت معه كل القوانين ودساتير العالم بحزم ووضوح، ووضعت له القوانين والنظم التي تعاقب مرتكبه. ومن الغريب أن بعض من يزعمون أنهم قادة ومفكرون ومثقفون ومبدعون، عندما نقرأ ما يكتبون من إبداع سنجد أنهم يمتازون بسطحية التفكير وضحالة الثقافة، ولكنهم تحت تأثير هالة الإعلام والدعاية يظهرون وكأنهم أصحاب علم غزير، مثقفين ومفكرين ومبدعين كباراً، وكل ما يفعلونه هو أنهم يجيدون نقل ما يقوله أعداء الإسلام عن الإسلام، وتحويل نتاج الفلسفات الإلحادية التي تحارب الدين والتي نهلت عقولهم منها إلى أفكار وفلسفات تحارب الإسلام، حتى وصل الأمر بهم أنهم أصبحوا لا يفرقون بين مسألة التقدم وهدم الدين، ويظنون أنهم بهذا الفهم السطحي سيصبحون أبطالاً مشهورين! وقد أصاب الفقيه الدستوري رجائي عطية في مقالة «ازدراء الأديان أم احترامها» (المصور 3-2-2016) عين الحقيقة عندما فسر مثل هذا التوجه على أنه ليس من شيمة من يؤمن بدِين، فالمؤمن محال أن يحتقر أو يزدري الدين، وحتى وإن كان صاحب سؤال أو تساؤل فيه، فإنه يلجأ بسؤاله إلى أهل العلم والمعرفة الراسخين في العلم الذين بوسعهم أن يجيبوه، أو يوضحوا له ما عساه لا يعرفه، ولكنه لا يزدري دينه ولا يحتقره ولا يسخر منه، وهناك فارق بين التساؤل أو السؤال الذي يلقى للمعرفة والتماس الجواب، أو الرأي الصحيح وبين المبادرة إلى الإعلام بكل خاطرة دون ما نظر ولا دراسة ولا تمحيص، فهذه بعينها الخفة والنزق الخطر الكبير لأنه قد يمس المعتقد والدين.