استعان النظام الحاكم في سوريا بروسيا للخلاص، فإذا بالأوضاع في ضياع. بالأمس صرح وزير الخارجية البريطاني بأن الحل للحرب الأهلية في سوريا بيد روسيا، وهي قادرة على إنهائها للتو وبدون الحاجة إلى حرب عالمية ثالثة، كما تبشر بها روسيا، وبمكالمة هاتفية لا تأخذ منها ثواني معدودات. هذا باختصار الحل الأسرع لما يحدث في سوريا التي تشابكت فيها خطوط القتال بعد أن دخلت تركيا على خط النار الكردي من جديد، وهو أمر ليس بجديد على النظام التركي، لأن صراعها مع حزب العمال الكردستاني الذي صنف في قائمة الإرهاب العالمية، عاد اليوم للعب دور آخر له علاقة مباشرة بتحقيق حلم الدولة الكردية عن طريق استقطاع أجزاء من سوريا، والعراق، وتركيا، ورائحة هذه الدولة المقبلة هي القائمة من رحم الأزمة التي سيطول أمدها. وخاصة أن روسيا ومعها النظام السوري مصران على الاستمرار في القتال ولو تم التوصل في جنيف 25 فبراير إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار وتفعيل الحل السلمي الذي بدا واضحاً الآن أن الحكومتين الروسية والسورية لا تقبلان به منذ البداية. وكذلك المتحدث باسم أميركا صرح أيضاً بأن الحل بيد روسيا إذا أرادت، وفي المقابل الروس ينشرون الأخبار عن اتفاق بين موسكو وواشنطن على الوضع السوري طرح مراراً وتكراراً فيما بينهما إلا أنهما لم تتوصلا حتى الآن على صيغة نهائية لإنهاء هذا الصراع المميت لأي حل سلمي مستقبلي. ولعبة التلاسن والتلاوم الروسي الأميركي بالذات تنمُّ أن وراء الأكمة السياسية في سوريا ما وراءها، بل لعل ثمة أشياء يراد لها التحقق من خلال استمرار اشتعال نار الفتنة الأهلية والطائفية في الميدان، وإن كانت دواوين السياسة الدولية تقول غير ذلك، وحتى لو خرجت الاتفاقات الدولية لحل الأزمة السورية إلى النور، ففي الظلام ترتكب أفظع الممارسات السياسية والكارثية، وهذا ما نراه يحدث في قلب الأزمة الراهنة. بعد أن كان الحديث يدور منذ اندلاع الأزمة السورية عن نية الأسد في إنشاء دويلة «علوية» في اللاذقية وبرعاية البارجة الروسية الرابضة هناك، لكن الحديث انقلب في هذه الأيام إلى نية إنشاء هذه الدويلة في حلب التي يتم طرد سكانها منها في عملية روسية سورية واضحة للعبور إلى الحدود التركية المصكوكة في وجوههم، وقد تم إخلاء حلب حتى هذه الساعة من قرابة نصف عدد سكانها البالغ 300 ألف نسمة. لماذا تضيع سوريا الكبرى، والوطن الأشم، والدولة القائمة منذ عقود بين دويلة وأخرى في حلب قلب الصناعة النابض لسوريا منذ القدم. أميركا ومن حولها ينادون بأعلى صوتهم لأطراف الصراع في سوريا المحروقة بنار الجميع انتبهوا للعدو المشترك «داعش» أولاً، ومن ثم انتقلوا إلى غيره من المسائل حتى لا تذهب سوريا كلها قرباناً لتغول «داعش»، وخاصة أن التنظيم يحتل عنوة أجزاء كبيرة من سوريا، يذكر البعض أنها ليست أقل من النصف. هناك أمر جلل يحل على سوريا وكارثة أكبر من «داعش» تنتظرها إذا لم يتفق الكل على إنقاذ الجميع بلا استثناء، فإذا كان الهدف من كل ذلك إنهاء المعارضة المسلحة هناك، فإن الأمر جاء متأخراً جداً وفقاً للنظرة الأميركية التي وصفت هذا المسعى بالاستحالة. أما إذا كان الأمر سيتعدى المعارضة إلى غيرها من القضايا الشائكة، فإن ليل سوريا بهيم ونهارها «رجيم»، والعودة إلى ما قبل عام 2011، كما يسعى إليها النظام السوري والإيراني والروسي، أصبحت جزءاً من خيال «المآتا» في حدائق ومزارع الدماء المسفوحة والشعب المفجوع.