بحكم مركزها التجاري، تتمتع دولة الإمارات بعلاقات اقتصادية وتجارية نشطة مع الكثير من بلدان العالم، إلا أن علاقاتها مع الهند تعتبر علاقات متميزة وضاربة جذورها عميقاً في التاريخ، إذ كانت الهند منفذ دول الخليج العربي على العالم في القرنين التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، باعتبارها مركز تسويق اللؤلؤ الخليجي للعالم، وأكبر مزود للأسواق الخليجية بالسلع والخدمات. وإضافة إلى ذلك تمتع التجار والمهنيون الهنود بسمعة طيبة في دولة الإمارات ودول الخليج لسنوات طويلة، وقدموا خدمات يُشكرون عليها، ففي طفولتنا كنا نعتقد ببراءة، بأن كل تجار العالم وكل أطبائه وممرضيه، هم من الهنود، حيث لا زالت أسماؤهم عالقة في أذهاننا رغم هذه السنوات الطويلة. خلال الآونة الأخيرة جاءت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة للهند لتضيف بعداً حديثاً ومتقدماً لهذه العلاقات، وذلك من خلال الاتفاقيات والتسهيلات التي وقعت لزيادة التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بهدف إيجاد شراكة استراتيجية مع أحد أهم القوى الصاعدة في العالم. من المعروف أن العلاقات الإماراتية الهندية شهدت في السنوات القليلة الماضية نمواً سريعاً احتلت معه الهند المرتبة الأولى باعتبارها أكبر شريك تجاري للإمارات، في الوقت الذي احتلت الدولة المرتبة الثالثة في تجارة الهند، بعد كل من الصين والولايات المتحدة الأميركية. وفي هذا الصدد من المتوقع أن تضيف زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد مجالات واسعة لتنمية العلاقات بين البلدين في كافة المجالات، فالتبادل التجاري الذي لم يتجاوز 180 مليون دولار عند قيام الاتحاد عام 1971 ارتفع إلى 60 مليار دولار العام الماضي، منها 12.5 مليار دولار صادرات إماراتية للهند، حيث يتوقع أن يرتفع على ضوء التطورات الأخيرة بمقدار الثلثين ليصل إلى 100 مليار دولار في عام 2020، مما يعني ارتقاء العلاقات بين البلدين إلى مرحلة جديدة تعكس أهمية كل منهما وموقعهما في العلاقات الاقتصادية الدولية. والحقيقة أنه تتوفر أسس قوية لأحداث مثل هذه النقلة النوعية بين الجانبين، إذ تحولت الهند في السنوات الأخيرة إلى أحد أهم مستوردي المنتجات البترولية والبتروكيماوية والألمنيوم من دولة الإمارات، في الوقت الذي تحتل الإمارات المرتبة العاشرة، كأكبر مستثمر أجنبي في الهند باستثمارات تبلغ 3 مليارات دولار. في المقابل تعمل في الدولة 50 ألف شركة هندية، وهي في تزايد مستمر لتحتل الهند المرتبة الثالثة، كأكبر مستثمر أجنبي، كما يعمل بالدولة أكثر من 2.6 مليون هندي قاموا بتحويل 15 مليار دولار في عام 2015، مما يعكس أهمية هذه العلاقة المتنامية للطرفين. بالإضافة إلى هذه الجوانب المهمة، ركزت هذه الزيارة على تنمية العلاقات بما يتناسب والتغيرات التكنولوجية الهائلة والسريعة، والتي أحدثت تغيرات مماثلة في طبيعة إنتاج السلع والخدمات والتجارة الالكترونية، حيث تم التنويه إلى ضرورة تنمية الاستثمارات في قطاعات الابتكار والتقنيات الحديثة، بما فيها الصغيرة والمتوسطة التي تستقطب فئات كبيرة وتساهم في التنمية وتوفير فرص العمل، حيث يتناسب ذلك وتوجهات الدولة الاستراتيجية التي تم التعبير عنها من خلال التغيير الوزاري الأخير. وبما أن مثل هذا التوجه الاستراتيجي بحاجة لجهود أكثر من طرف إلى جانب حكومتي البلدين، فقد تم إشراك رجال الأعمال والمستثمرين من البلدين في مباحثات هذه الزيارة لضمان أن تشمل روابط التعاون مختلف القطاعات الاقتصادية وبناء شراكات متنوعة، ففي الوقت الذي تمثل أسواق الإمارات ببنيتها التحتية المتطورة منافذ تصديرية للمنتجات الهندية، فإن أسواق الهند أضحت منافذ مهمة للصادرات الإماراتية، مما سيعود بنتائج إيجابية كبيرة على الجانبين لتشكل علاقات البلدين نموذجاً يحتذى به في المنطقة والعالم.