يا لها من مفارقة! فقط عندما بدأت أميركا اللاتينية في احتقار الحكام المستبدين المسيحيين، تبدو الولايات المتحدة وأوروبا أنها تتبناهم. يبدو الأمر كما لو كان العالم انقلب فجأة رأساً على عقب. وانطلاقاً من نتائج الانتخابات الأولية التي أجريت مؤخراً في نيو هامبشاير، فإن الناخبين الأميركيين– المعروفين بوجه عام بانتخابهم قادة مسؤولين– ربما يقعون في غرام غوغائي نرجسي يفتقر إلى الخبرة السياسية مثل دونالد ترامب، الذي تستند حملته الانتخابية بأكملها على ادعائه «سأجعل أميركا عظيمة مرة أخرى!». والأمر لا يتعلق فقط بترامب في الولايات المتحدة. سواء كان الرئيس فلاديمير بوتين في روسيا، أو «فيكتور أوربان» في المجر، أو أردوغان في تركيا، أو زعماء المعارضة الذين يصعدون بسرعة مثل ماريان لوبان في فرنسا، أو القوميين الذين يتمتعون بكاريزما ويبرزون في جميع أنحاء نصف الكرة الشمالي. وربما بسبب اتساع الهوة بين أصحاب الثراء الفاحش، والأثرياء بدرجة معقولة، فإن الكثير من الناس غاضبون، ويتحولون إلى شعبويين كارهين للأجانب. وفي معظم الحالات، هؤلاء القادة يلقون باللوم على الأجانب كونهم السبب في مشكلات بلادهم. وفي أميركا اللاتينية، من ناحية أخرى، سئم الناس من القادة الذين يتمتعون بشعبية، على الأقل بالنسبة للآن. في فنزويلا الغنية بالنفط، لم يقلص الرئيس الراحل هاجو شافيز وخليفته نيكولاس مادورو فقط الحريات الأساسية، لكنهما أيضا حولا واحدة من أغنى دول العالم إلى دولة على شفا أزمة إنسانسة. فقد تجاوز معدل التضخم السنوي 500%. وفي الأرجنتين وبوليفيا والإكوادور ونيكاراجوا، قام ساسة قوميون آخرون في السنوات الأخيرة بإضعاف المؤسسات الديمقراطية في بلدانهم. والنتيجة هي القليل من الضوابط والتوازنات والمزيد من الفساد. وعندما دعوت العديد من الشخصيات السياسية المعروفة في أميركا اللاتينية للتعليق على اقتراح ترامب ببناء جدار على الحدود المكسيكية، وإجبار المكسيك على دفع التكلفة، قال العديد منهم: إن هذا نوع من التظاهر بالشجاعة الذي اعتاد أن يكون نموذجياً في الرجال الأقوياء في أميركا اللاتينية. وقال لي الرئيس الكولومبي السابق «سيزار جافيريا» إن «ترامب لديه النمط النموذجي للزعيم الأميركي اللاتيني. فهو يقول للناس ما يريدون سماعه، ويخيفهم ثم يقول لهم «لا داعي للخوف، سأصلح ذلك». وفي الواقع، فإن هناك أوجه شبه كثيرة بين ترامب والقادة الذين يتمتعون بشعبية في أميركا اللاتينية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفيس»