تعرض «بيرني ساندرز» المترشح «الديمقراطي» للانتقاد بطريقة غير منصفة لأنه أعرب صراحة عن رأيه بشأن السياسة الخارجية، وهو يذكر الناخبين باستمرار بمعارضته المبكرة لحرب العراق، ولتوضيح سبب مواصلته التأكيد على أهمية قراره بمعارضة تلك الحرب، أشار «ساندرز» إلى كلمة ألقاها في أكتوبر عام 2002 أوضح فيها خمسة أسباب مهمة لخشيته من خوض إدارة «جورج بوش الابن» الحرب. ورفض المنتقدون والمتنمّرون دون اكتراث مقاربة «ساندرز» للشؤون الخارجية، ومن ثم تجاهلوا خطابه المهم، ولأنه كان بعيد النظر بشكل كبير، فهو يستحق الاهتمام، وليس الازدراء. وفيما يلي بإيجاز، الأسباب الخمسة التي طرحها في 2002 لمعارضته حرب العراق: (1) لم تقدم إدارة بوش تقديرات بشأن عدد الشباب والشابات الأميركيين الذين يمكن أن يموتوا في الحرب، أو تكهنات حول عشرات الآلاف من النساء والأطفال الذين يمكن أن يقتلوا في العراق. (2) كان هناك قلق من أن يتم التعامل مع سابقة الغزو أحادي الجانب من منظور القانون الدولي ودور الأمم المتحدة. (3) لأن الولايات المتحدة كانت «منهمكة في حرب شديدة الصعوبة ضد الإرهاب الدولي»، كرر «ساندرز» قلقه من أن الهجوم على العراق من شأنه أن يقوض بصورة خطيرة، إن لم يدمر، الحملة العالمية ضد الإرهاب. (4) في ظل مواجهة الولايات المتحدة لأعباء ديون محلية تناهز ستة تريليونات دولار، وعجز متزايد، فإن خوض حرب واحتلال أميركي طويل الأمد للعراق من شأنه أن يكون باهظ التكلفة. (5) وأخيراً، أعرب «ساندرز» عن قلقه من «التبعات غير المقصودة» للحرب، فمن سيحكم العراق بعد صدام؟ وما الدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة في الحرب الأهلية التي يمكن أن تحدث لاحقاً؟ وهل سيزعزع المتطرفون، كرد فعل على الحرب، حكومات أخرى في المنطقة؟ وهل سيتفاقم الصراع الدامي بين إسرائيل والفلسطينيين؟ ولفهم أهمية هذه الأسباب الخمسة، من المهم أن نتذكر الرواية المزيفة التي سوقتها إدارة بوش قبل الغزو، وما حدث بالفعل نتيجة لذلك القرار الكارثي بخوض الحرب، فقد دشنت مجموعة بوش، تمهيداً للأعمال العدائية، شبكة مفصلة من سرديات الخداع لتسويق خططها، ولم تكن أكبر الأكاذيب التي تحدثت عنها بشأن برنامج صدام النووي فحسب، ولكن كان الأكثر إثارة للاضطراب الصورة الوردية التي رسمتها عن مدى سهولة وإيجابية النتائج التي ستعقب الإطاحة بالنظام العراقي. وقد طمأن مسؤولو وزارة الدفاع الكونجرس بأن الحرب ستحتاج فقط إلى ما يتراوح بين 60 ألف و90 ألف جندي، وتوقعوا إمكانية الإطاحة بنظام صدام حسين في ستة أسابيع فقط، وأن الحرب ستستغرق ستة أشهر حتى الانتصار، وهو ما يكلف الولايات المتحدة ملياراً إلى ملياري دولار فحسب، وأما بقية التكاليف فستغطيها إيرادات النفط العراقي، وسيرحب العراقيون بالقوات الأميركية كفاتحين، وسيرفرف لواء الحرية عالياً مشرقاً ومضيئاً في الشرق الأوسط! وبالطبع، فما حدث كان قريباً من توقعات «ساندرز»، وبعد ثمانية أعوام من الحرب الدامية والاحتلال، قتل أكثر من 4600 أميركي، ودمرت حياة عشرات الآلاف بسبب العاهات المستديمة واضطراب ما بعد الصدمة، وكان من بين أكثر النتائج المقلقة لهذه الحرب انتحار 22 محارباً قديماً يومياً، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة خسرت رجالًا ونساء سنوياً بسبب الانتحار الناتج عن اضطرابات ما بعد الصدمة أكثر مما خسرته أثناء الحرب بأسرها، وتقترب تكلفة الحرب والاحتلال والرعاية طويلة الأمد للمحاربين المصابين من نحو ثلاثة تريليونات دولار. وما يضيف إلى هذه المأساة أكثر هو مئات الآلاف من العراقيين الذين قتلوا في الحرب والصراع الأهلي الذي تلاها، وبتفكيك المؤسسات العراقية ومحاولة تأسيس حكومة محاصصة طائفية، أذكت إدارة بوش نيران التوترات الطائفية الكامنة التي أسفرت عن حملات تطهير عرقي، ونظام سياسي فاشل، وبدلاً من هزيمة الإرهاب، أسهمت الحرب في تأجيجه، إذ انتشر تنظيم «القاعدة» ووريثه «داعش» في 16 دولة على الأقل، وفي الوقت ذاته، أفضت الحرب وسلوكياتنا التي أظهرناها في «أبوغريب» و«جوانتانامو» إلى تراجع شديد في احترام وتأييد أميركا في أنحاء الكرة الأرضية، وهو ما وضع بلادنا في خطر أكبر بكثير. وآخر «التبعات غير المقصودة للحرب» لم يكن فقط تفاقم التطرف العالمي، ولكن أيضاً إطلاق العنان لإيران في الشرق الأوسط، فمع سقوط صدام وتراجع «طالبان»، تمكنت إيران من توسيع نفوذها في العراق، وتقمص دور زعيم «المقاومة ضد الغرب»! ومثلما أشار «ساندرز» على نحو صحيح، لم تكن إدارة «بوش» وحدها هي التي أيدت شن هذه الحرب الكارثية، ولكن أيضاً مجلس الشيوخ الذي كان يقوده «الديمقراطيون» فهو من مرر قراراً تم استخدامه لتبرير الغزو.