في إطار توجه دولة الإمارات العربية المتحدة لمرحلة ما بعد النفط، فإنها تولي تطوير منظومة التعليم في مراحلها المختلفة أهمية متزايدة، وخاصة مجالات العلوم والتكنولوجيا الحديثة التي ترتبط في جوهرها باقتصاد المعرفة، وتمثل في الوقت ذاته المدخل نحو بناء قاعدة من الكوادر المواطنة المتخصصة في المجالات النوعية الجديدة التي تخدم مسيرة التنمية الشاملة، وفي هذا السياق فإن برنامج التوعية العلمية المدرسية الذي تتبناه لجنة أبوظبي لتطوير التكنولوجيا، الذي يأتي تحت عنوان «لِمَ؟»، ينطوي على أهمية بالغة، ليس لأنه يشجع الطلاب على الإقبال على دراسة العلوم والتكنولوجيا في وقت مبكر فقط، وإنما لأنه يواكب توجه دولة الإمارات العربية المتحدة نحو بناء اقتصاد مستدام يعتمد على العلوم والمعرفة والتكنولوجيا الحديثة أيضاً. فلا شك في أن أحد الأهداف الرئيسية لرؤية «الإمارات 2021» هو بناء نموذج تنموي يعتمد على المعرفة والابتكار، ومن ثم تؤكد هذه الرؤية أهمية الاستثمار في العلوم والتكنولوجيا والأبحاث على مختلف مستويات الاقتصاد الإماراتي، من أجل الارتقاء بوتيرة الإنتاجية والتنافسية لكي تضاهي الإمارات الاقتصادات العالمية المتقدمة، وفي السياق ذاته، فإن «الرؤية الاقتصادية 2030 لإمارة أبوظبي» تولي أهمية متزايدة لهذا الجانب، فمن بين المرتكزات التسعة التي يستند إليها المستقبل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لإمارة أبوظبي يبرز الاقتصاد المرتكز على المعرفة المستدامة، باعتباره ثاني أهم المرتكزات بعد القطاع الخاص الفاعل والمؤثر. ومن بين القطاعات الإنتاجية التي توقعت الرؤية أن تكون محركة للنمو والتنوع الاقتصادي في أبوظبي، جاء العديد من القطاعات التي تزيد من المكون المعرفي في الاقتصاد مثل: صناعة الطيران والفضاء والدفاع، والصناعات الدوائية والتقنية الحيوية، وهي قطاعات وثيقة الصلة بمسارات العلوم والتكنولوجيا. ويستهدف برنامج «لِمَ؟» تحفيز اهتمام الطلاب بمواد العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من خلال ورش العمل التفاعلية والعروض الشيقة التي يقدمها مرشدون علميون متمرسون للأطفال من الصف الثالث فما فوق، لضمان تحقيق الأهداف والنتائج التعليمية المنشودة، كما يسعى البرنامج إلى إثراء الفعاليات التعليمية والعلمية الموجهة للطلاب، حيث يشارك في الحدث العلمي التفاعلي «بالعلوم نحيا»، الذي تستضيفه حديقة المشرف المركزية في أبوظبي منذ نهاية يناير الماضي ويستمر حتى الخامس من مارس المقبل 2016، والمعروف أن مبادرة «بالعلوم نحيا» التي ينظّمها كلٌّ من مجلس أبوظبي للتعليم وشركة مبادلة للتنمية تمثل نافذة مهمة، تتيح للطلاب فرصة الاطلاع على الابتكارات في مجالات الطيران والعلوم والتكنولوجيا من خلال أنشطة تعليمية تفاعلية. وتشير تجارب الدول المتقدمة إلى أن السر وراء نجاح نهضتها يرجع بالأساس إلى أنها أولت مسارات العلوم والتكنولوجيا أهمية بالغة، لما لها من دور فاعل وحيوي في دفع عملية التنمية، وهذا ما تسير عليه دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تدرك أن التوجه بخطى ثابتة وواثقة نحو مرحلة ما بعد النفط، يتطلب كوادر مواطنة مؤهلة متخصصة في المجالات النوعية الجديدة، كالطاقة المتجددة والنووية، وهندسة الطيران وعلوم الفضاء، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ولهذا فإنها تحرص على وضع السياسات والاستراتيجيات التي تستهدف زيادة المكون العلمي والمعرفي والتكنولوجي ضمن منظومة التعليم، كي تكون قادرة على مواكبة المتغيرات السريعة والمتلاحقة التي يشهدها العالم في هذا الشأن، كما يفسر في الوقت ذاته اهتمام الدولة بإنشاء المعاهد والكليات العلمية المتخصصة، ومن بينها على سبيل المثال، جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، وكليات التقنية العليا، ومعهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا، وكلية الإمارات للطيران، وغيرها العديد من الجامعات والكليات المتخصصة في المجالات التي تواكب مرحلة ما بعد النفط، وتستهدف بناء اقتصاد تنافسي قائم على العلوم والمعرفة والتكنولوجيا. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية