ما هي العلاقة بين الأقاليم الكردية في جنوب شرق تركيا، والأقاليم القوقازية في جنوب غرب روسيا؟ تقوم تركيا بحملة عسكرية لاحتواء التمرد الكردي خاصة بعد أن أعلن زعماء التمرد مطالبتهم بالحكم الذاتي. وقد شجعهم على ذلك نجاح أقرانهم أكراد العراق في انتزاع حكم ذاتي موسع.. وبعد نجاح الفصائل الكردية في شمال سوريا في تحرير المناطق الكردية من سيطرة النظام السوري ومن هيمنة «داعش» معاً. ولكن تركيا ليست سوريا بشار الأسد، ولا هي عراق نوري المالكي. فالرئيس أردوغان يبني زعامته التركية على قاعدة المحافظة على وحدة الدولة كما أسسها أتاتورك. أدى تحالف رباعي من تركيا وإيران والعراق وسوريا إلى كبح جماح الحركة الوطنية الكردية على مدى عقود طويلة. فالأكراد ينتشرون في هذه الدول الأربع، وقد عانوا ولا يزالون يعانون من تمييز عنصري غالباً ما كان يؤدي إلى صدامات دموية مع كل من هذه الدول. غير أن التحالف الرباعي سقط الآن وتهاوى. ووجد الأكراد في هذا السقوط المروع باباً مفتوحاً نحو أهدافهم القومية الخاصة. وقد نجح الأكراد في العراق. ونجحوا بنسبه أقل في سوريا. إلا أنهم فشلوا حتى الآن في إيران وتركيا، حيث القبضة العسكرية هناك أشد وأقوى. غير أن المعادلات بدأت تتغير على الأقل في تركيا من خلال التدهور الذي طرأ على العلاقات الروسية- التركية إثر إسقاط طائرة «السوخوي» الروسية بواسطة الطيران الحربي التركي يوم 24 نوفمبر الماضي. لم يقتصر رد الفعل الروسي على فرض عقوبات تجارية واقتصادية على تركيا، ولكنه ذهب إلى دعم الحركة الكردية الانفصالية وتشجيعها على الانفصال. ولأول مرة منذ أن بدأ الصراع التركي- الكردي المسلح قبل عقدين من الزمن، أصدرت وزارة الخارجية الروسية بياناً رسمياً دعت فيه الحكومة التركية إلى «اتخاذ الخطوات الضرورية لضمان وقف فوري لأعمال العنف ومعاودة التسوية السلمية المتوقفة منذ يوليو 2015». وشدد البيان الروسي على أن حل القضية الكردية لابد من إيجاده في الإطار السياسي.. غير أن أكثر ما يلفت النظر في البيان الروسي قوله إن «اعتماد السلطات التركية على أساليب القوة لن يؤدي إلا إلى سقوط المزيد من الضحايا وتفاقم الوضع المتأزم». ولكن لو استبدلنا تركيا بروسيا.. والأكراد بالشيشان، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل عمل الرئيس بوتين بالنصيحة التي يوجهها إلى الرئيس أردوغان؟ ألم يستعمل بوتين القوة، بل أشد أنواع القوة ضد الشيشان مما أدى إلى سقوط ضحايا وإلى تدمير العاصمة غروزني، ومن ثم إعادة إخضاعها بالقوة وتنصيب أحد المتعاونين معه رئيساً عليها؟ مع ذلك لا يبدو أن بوتين يستطيع أن يذهب في تعامله مع ملف القضية الكردية إلى أبعد من مجرد إحراج أردوغان. ذلك أن الموقف التركي من هذه القضية لا يختلف في الجوهر عن الموقف الإيراني منها. وإيران هي اليوم -وحتى إشعار آخر- حليف لروسيا بوتين. ومن مستلزمات استمرار هذا التحالف السكوت على الموقف الإيراني الكابح للتطلعات الوطنية الكردية في شمال شرق إيران. لقد أدى «اعتماد أساليب القوة» -الذي حذرت منه روسيا- إلى سقوط المزيد من الضحايا في الشيشان.. وذلك قبل لجوء سوريا وتركيا وحتى إيران إلى استخدام هذه الأساليب. لم تعالج روسيا قضية الشيشان سياسياً. ولم تعالجها في الأساس. كل ما فعلته أنها فرضت وضعاً جديداً بالقوة العسكرية. وهو الأسلوب الذي تنتقد تركيا بسبب تقليده في جنوب شرق البلاد! لقد أثبتت التجربة أن الوحدة التي تفرضها القوة العسكرية هي وحدة وهمية. وأن الوحدة الوهمية هي في جوهرها قنبلة موقوتة، يمكن أن تنفجر بمجرد أن تضعف أو تتراجع قوة اليد التي تمسك بها. هكذا حدث في الاتحاد السوفييتي السابق. وهو ما يفترض في الرئيس بوتين -رجل جهاز المخابرات «كي. جي. بي» في تلك الدولة- أن يعرفه جيداً.