من بين أهم القضايا التي باتت تشكل ركناً رئيسياً في تحديد مسارات نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، تأتي قضية وجود الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة الأميركية، والتي احتدمت حتى وصلت إلى حالة من المزايدة عليها من قبل المرشحين للانتخابات من الحزبين«الجمهوري» و«الديمقراطي» على حد سواء، بين من يسعى لطردهم من البلاد بالمرة، ومن يرى - في عنصرية بغيضة - أن المسلم الأميركي لا يحق له الترشح للرئاسة، والمحصلة أن هناك «شيطنة» ما تجرى داخل البلاد لفصيل يكفل له الدستور كافة حقوق المواطنة. يعن لنا في هذه القراءة التعرف على أوضاع مسلمي الولايات المتحدة، بين الواقع والتشويه، ولماذا نرى عدائية خاصة لهم من قبل «الجمهوريين»، حتى وإن وجد بين«الديمقراطيين» رفض ما إلا أنه يكاد يكون مقنعاً؟ وماذا عن الارتدادات السلبية التي باتت تنعكس على حياتهم، سيما وأن البعض يحاول جاهداً تصويرهم في صورة الطابور الخامس، كما اليابانيين في زمن «بيرل هاربر»؟ ثم وهذا جزء أصيل من القصة: هل يعد الرئيس أوباما في حد ذاته «حجر عثرة» عبر الاتهامات التي تلاحقه بوصفه «مسلما» في الجوهر؟ وكيف سينعكس الجدل الدائر حول الإسلام على الأميركيين السود، أو من ذوي الأصول الأفريقية، حيث الإسلام بينهم أكثر انتشاراً؟ رؤية هنتنجتون كيف لنا أن نأصل لنظرة الأميركيين للإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة الأميركية؟ العودة إلى الجذور الأولى والبعيدة نجدها عند توماس جيفرسون، غير أن هذه القراءة تستلزم أبحاثاً أكاديمية، وعليه فإن أقرب نقطة يمكن لنا أن نؤرخ من منطلقها تلك التي وسمت القرن الحادي والعشرين، بملامح العنف، أي أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. في كتابه «من نحن؟ المناظرة الكبرى»، للمفكر الأميركي الراحل صموئيل هنتنجتون، نجد توصيفاً يلائم رؤيته للأحداث، وعنده أن أسامة بن لادن عندما هاجم أميركا وقتل عدة آلاف من الناس، فإنه أقدم أيضاً على فعلين آخرين: فقد ملأ الفراغ الذي أحدثه ميخائيل جورباتشوف مع عدو جديد خطير أكيد، وقد حدد بدقة هوية الولايات المتحدة بأنها أمة مسيحية. في هذا الإطار فإن الأميركيين وإن كانوا من قبل لم يروا في الإسلام أو المسلمين أو الدين الإسلامي أو الحضارة الإسلامية عدواً للولايات المتحدة بالطبيعة والحتمية القدرية، إلا أنهم الآن يرون في أولئك المتشددين الإسلاميين عدواً لأميركا.. هل كانت تلك الأحداث منشأ الحرب الجديدة بين الولايات المتحدة والأميركيين وبين الإسلام المتشدد؟ الخلاصة عند هنتنجتون هي أن العداء الإسلامي المتشدد يشجع الأميركيين على تعريف هويتهم في سياق ديني وثقافي، مثلما أدت الحرب الباردة إلى دعم تعريفات سياسية وعقائدية لهذه الهوية. هل للمرء أن يقيم مقاربة ما بين ما يقوله هنتنجتون الآن وما أشار إليه «جورج كينان» عام 1946؟ كينان دبلوماسي ومؤرخ أميركي (1905 – 2005) تخصص في الشؤون الروسية والسوفييتية، وهو صاحب نظرية الاحتواء Containment التى وجهت السياسة الخارجية الأميركية طوال مرحلة الحرب الباردة، وقد كتب ذات مرة يقول عن الأعداء السياسيين لأميركا أي الشيوعيين في ذلك الوقت «لدينا هنا قوة سياسية ملتزمة في تعصب بالاعتقاد بألا يمكن أن تحدث معايشة دائمة مع الولايات المتحدة، وأنه من المرغوب فيه ومن الضروري وقف الانسحاب الداخلي لمجتمعنا، وتدمير طريقتنا التقليدية في الحياة، وكسر السلطة الدولية لدولتنا» هل تصف هذه الكلمات حال أميركا مع الإسلاميين الجدد؟ إشكالية «ترامب» في ديسمبر المنصرم، فجر رجل الأعمال والملياردير الأميركي المعروف «دونالد ترامب» برميل البارود الدوغمائي، عندما طالب بفرض حظر تام على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة الأميركية، وقد برر تلك الدعوة العنصرية بأنها رد طبيعي على «الكراهية التي يكنها جزء كبير من الجالية المسلمة للأميركيين». لم تكن تصريحات «ترامب» هي الأولى من نوعها في ديسمبر الماضي، فقد سبقتها بفترة زمنية تصريحات مشابهة له، اقترح في بعضها وطالب في البعض الآخر بإغلاق المساجد وإنشاء سجلات منفصلة للمسلمين، وإجبار مسلمي الولايات المتحدة على حمل هويات خاصة، تدفع بجيرانهم إلى سرعة الإبلاغ عنه حال الشك في أي عمل يخططون للقيام به، أما الكارثة الأكبر فهي التعاطي مع كل مسلم أميركي على أساس أنه «إرهابي محتمل» إلى حين يثبت عكس ذلك. التلاعب باليمين المتطرف بالقطع أن المرشح الذي يحاول تمثيل «الجمهوريين» في انتخابات الرئاسة الأميركية، يتلاعب بمقدرات التيارات اليمينية والمتطرفة، سواء من المتدينين الأميركيين أو من القوميين المتعصبين، وهؤلاء في تنامٍ شديد في العقود الأخيرة، وفي كل الأحوال فإن ترامب يدغدغ المشاعر السلبية وينمي ظاهرة الإسلاموفوبيا بعد أن خيل للبعض أنها قد توارت بعد نحو عقد ونصف من تفجيرات نيويورك وواشنطن. فقد ذكر «ترامب» مشاهديه ومتابعيه بما هو غير ثابت وغير موثق، أي احتفال مسلمين أميركيين في شوارع مدن أميركية بعينها بسقوط أبراج نيويورك والاعتداء على «البنتاجون»، ومهما يكن من تشكيك في تفاصيل وربما صحة الواقعة، إلا أن التذكير بها الآن وعلى وقع ما جرى في سان برناردينو في كاليفورنيا، قد أعاد فتح جروحات الماضي، الأمر الذي أدى إلى رواج دعواته العنصرية بين ملايين الأميركيين سواء جهراً أو سراً، وهذا ما ستثبته الأيام القادمة، والفيصل هنا هل سيحظى «ترامب» بدعواته الفاشية بدعم الحزب «الجمهوري» له للترشح للرئاسة الأميركية 2016؟ أم أن الرجل ليس أكثر من بوق «كراهية» للإسلام والمسلمين والانتخابات الرئاسية الأميركية 2016 لا ينفك أن يذهب صداه هباءً دون أي أثر حقيقي؟ دعوات «نازية» يستلفت النظر أن دعوات المرشح «الجمهوري» دونالد ترامب تجاه مسلمي الولايات المتحدة تكاد تطابق الدعوات النازية في التعاطي مع يهود أوروبا في زمن الحرب العالمية الثانية بنوع خاص... كيف ذلك؟ في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر الماضي وفي حوار له مع صحيفة «إن بي سي» الأمريكية، أكد ترامب أن مسلمي أمريكا سيتم إجبارهم بقوة القانون على تسجيل بياناتهم بقاعدة معلومات خاصة، وهذا بالطبع أمر مشروط بفوزه بالرئاسة، غير أنه راوغ عندما استدعى الأمر جواباً صريحاً لسؤال: هل يريد أن يفعل مع المسلمين كما فعل هتلر مع اليهود؟ وكرر الجواب على السؤال أربع مرات بالقول: «أنتم قولوا لى»، وكأنه جواب بالإيحاء أو بالإسقاط، وبنعم لا يكاد يداريها أو يواريها. ويبدو أن هناك من يدعم «نازية ترامب» هذه، مثل المفكر والشاعر الذي يمثل الوسط الصهيوني «بنى تسيفر»، ففي مقال له نشرته صحيفة «هاآرتس» مؤخراً، زعم أن «ترامب» يمثل نمطاً قيادياً أفضل من النمط القيادي الذي يعيشه الرئيس الأميركي الحالي «باراك أوباما»، لأنه «يخلق من الوهم الذي يحاول أوباما ترويجه من خلال تصوير كل الناس على أنهم رائعون». ترامب الذي بات ينظر للمسلمين في الداخل الأميركي بوصفهم خلايا سرية نائمة، كما فعل الشيوعيون من قبل، يؤمن أيضاً بأن المساجد يمكن أن تكون قاعدة وغطاء لتوفر مناخات الدعم اللوجيستي الإرهابي في البلاد، وعليه يطالب بإغلاقها بحجة أنها «حصان طروادة» أو «كعب أخيل» في الجسد الأميركي. هذه النازية المستحدثة تلقى هوى ما عند الأديب اليهودي الجزائري الأصل «بوعلام سنسال» الذي اعتبر الإسلام «نازية القرن الحادي والعشرين». فيما قال الكاتب اليميني «أرئيل سيفال» إنه على الرغم من الطابع «الفظ» لخطاب ترامب «فإنه يعبر عما يعتقده الجميع في الغرب». ويبدو أن العنصرية والفاشية في الداخل الإسرائيلي قد وجدت في دعوات ترامب صدى لما تطالب به تجاه عرب ومسلمي فلسطين وهذا ما تجلى في كتابات «شمعون زين» والحاخام «بنتسي غوفشتاين» زعيم منظمة «لاهفاه» الإرهابية اليهودية. بن كارسون والمزايدة على الإسلام: لم يكن «دونالد ترامب» الملياردير المتغطرس وحده من يزايد على الإسلام والمسلمين في الداخل الأميركي، فقد انضم إليه المرشح المنافس لنيل ترشيح الحزب الجمهوري «بن كارسون» جراح الدماغ الأميركي العبقري، المعروف بتواضعه الظاهر، وأن أخفى وراءه قدراً واضحاً من الكراهية للإسلام والمسلمين، ولذلك يعتبر أحد أكثر المرشحين تطرفاً في صفوف حزبه. ففي حديث له في شهر سبتمبر المنصرم على محطة «إن بي سي» الأميركية وعبر برنامج «واجه الصحافة» قال بن كارسون «لا أنصح أن نجعل مسلماً مسؤولاً عن هذا البلد... لن أتفق على الإطلاق مع هذا الرأي». لم يكتف بن كارسون بهذا بل أضاف في انتهاك واضح لعلمانية الدستور الأميركي قائلاً: «إن عقيدة الرئيس ينبغي أن تكون منسجمة مع الدستور الأميركي، مضيفاً أن الإسلام ليس متوافقاً مع الدستور الأميركي». عطفاً على ذلك فإن جراح الدماغ الأميركي الذي يسعى لترشيح حزبه له، وجد أن هناك طريقاً جديداً ربما يدفع الأميركيين لانتخابه يتمثل في التشكيك في علاقة مسلمي الداخل بجماعات الإرهاب حول العالم. «إسبوزيتو» وعنصرية «برنارد لويس» يتعين علينا إن أردنا أن نفهم مشهد «الإسلام» في تأنٍ وموضوعية، أن نباعد بيننا وبين اللحظة الآنية الانتخابية، والتأصيل المتوسط تاريخياً لإشكالية الأميركيين مع الإسلام، والواقع أنه كان من خلفها عدد من المستشرقين أصحاب الأهداف الاستخباراتية المعروفة أولئك الذين عملوا طويلاً من أجل دعم الرؤى الاستعمارية للإمبراطوريات العتيدة تاريخية، من عينة «برنارد لويس»، المعروف بـ«بطريرك الاستشراق»، البريطاني الأصل، الأميركي الجنسية، والمرجعية الكبرى لـ«المحافظين الجدد»، ومن أخطر الأبواق الزاعقة بـ«الإسلاموفوبيا». في كتابه «جذور الهياج الإسلامي»، يحدثنا أو بالأدق يحدث اليمين الأميركي المتطرف، عن رؤية لصراع وشيك بين الإسلام والغرب باعتباره مجرد رحلة في نموذج تاريخي (إن لم يكن حتمياً) للمواجهة قد تعززت بما كتبه لويس نفسه من عينة القول بأن الصراع بين الإسلام والغرب استمر حتى الآن على مدى أربعة أشهر قرناً من الزمان، وقد تكون من سلسلة طويلة من الهجمات والهجمات المضادة، الجهاد والحملات الصليبية، الغزو والاسترداد، واليوم فإن معظم العالم المسلم تسيطر عليه مرة أخرى حالة استياء عارمة ـ عنيفة ـ ضد الغرب، وفجأة صارت الولايات المتحدة العدو الأكبر، تجسيداً للشر، والخصم الشيطاني لكل ما هو خير ولا سيما المسلمين والإسلام... وعلامة الاستفهام في هذا المقام لماذا؟ الدين قوة إيجابية يتصدى «البروفيسور» جون اسبوسيتور، مدير مركز حوار الأديان والحضارات في جامعة «جورج تاون» الشهيرة، في الولايات المتحدة الأميركية للجواب، ناقداً بل وناقضاً معظم المناقشات الدائرة حول التهديد الإسلامي أو جذور الهياج الإسلامي، عند «برنارد لويس»، وكيف انها تحتوي على ندرة مذهلة في المعلومات ونقص في التمييز بخصوص طبيعة وتنوع التجديد الإسلامي. ففي مقالة «جذور الهياج الإسلامي» يشرح لويس جذور الهياج المسلم بيد أنه لا يحدد أولئك المسلمين الغاضبين، ويفشل في الاعتراف بأن التنظيمات أو الناشطين الإسلاميين، على الرغم من اشتراكهم في التزام أيديولوجي عام، يختلفون فيما بينهم. وهو يذكر قليلاً تنظيمات بعينها، ويضمن مقالته مناقشة هزيلة للتعليم والخلفيات الاجتماعية والنشاطات (غير العنف والإرهاب) التي يقوم بها أعضاؤها. ولعل أفضل ما قدمه أسبوسيتو في مواجهة لويس، المرجع والمصدر لترامب وبن كارسون وأترابهما، هو أنه وضع حداً عقلانياً للجواب على سؤال جوهري هل الإسلام يمثل تهديداً للأميركيين؟ وقد كان رده أنه إذا كان المعنى أنه يمكن أن يكون هناك تهديد غربي أو تهديد يهودي - مسيحي، فالإجابة نعم. فالإسلام، مثل اليهودية والمسيحية، قدم طريقاً للحياة وهوية حولت حياة الكثيرين. إلا ان بعض المسلمين مثل بعض المسيحيين واليهود، قد استغلوا أيضاً دينهم لتبرير العدوان والحرب وإضفاء الشرعية عليه، وكذلك الغزو والاضطهاد، في الماضي والحاضر، والإسلام السياسي مثل اللجوء إلى أية ديانة أو أيديولوجية يمكن أن تكون قوة إيجابية فعالة للتغيير، ويمكن أيضاً تكون تهديداً خطيراً للمجتمعات المسلمة وللغرب. هل من صحة ما لحديث اسبوسيتو هذا؟ مؤكد أن الرجل محق إلى أبعد حد ومد، فالأيديولوجيات العلمانية (الديمقراطية، والاشتراكية، الشيوعية، القومية العربية) قد برهنت بدرجة مماثلة على أنها عرضة للاستغلال والاستخدام الذكي من جانب الديماجوجيين، فالأفكار النبيلة مثل نشر إرادة الله ونشر الديمقراطية يمكن تشويشها واستغلالها لإضفاء الشرعية على الامبريالية والقهر والظلم باسم الله أو باسم الدولة. محاولات التشويه ما هي الحقيقة حول مسلمي أميركا؟ وماذا عن أولئك الذين يحاولون جاهدين تشويه معطياتهم في عيون الأميركيين؟ أحد أفضل مراكز استطلاعات الرأي في واشنطن يعد مركز «بيو»، والذي يمد القارئ عن شأن المسلمين في الولايات المتحدة الأميركية بقراءات متثبت منها على الدوام وتخص 7.7 مليون مسلم يمثلون نحو 0.9% من سكان البلاد موزعين عرقياً على النحو التالي: 38% بيض أميركيون و28% من أصول أفريقية، 28% من أصول آسيوية و4% من الأميركيين اللاتيين، و3% من أصول أخرى بينها العرب والشرق أوسطيون. يعن لنا أن نتساءل هل مسلمو الولايات المتحدة منغلقون على ذواتهم، يكررون تجربة «الجيتو» اليهودي، أم الوضع بخلاف ذلك؟ استطلاعات «بيو» للعام 2014 تفيدنا بأن 63% من مسلمي الولايات المتحدة يرون بل ويعتقدون بأنه ليس هناك تناقض بين عيش إسلامهم والاندماج في المجتمع الأميركي بشكل إيجابي وخلاق. وقد وجدت استطلاعات «بيو» عند المسلمين الأميركيين فهما روحياً واسعاً مقارنة بنظرة ضيقة عند البعض الآخر خارج البلاد، إذ إن 56% من المسلمين الأميركيين يعتقدون أن اتباع الديانات الأخرى قد يصلون إلى الجنة. كما أن 81% من سكان أميركا المسلمين يدينون بشكل كامل وتام العمليات الانتحارية، ويطالبون بوجوب منعها، وعدم تبريرها تحت أي سياق فكري أيديولوجي، أو دوجمائي ديني.. أصوات أميركية مناصرة للمسلمين «رب ضارة نافعة»، يقول المثل العربي الشهير، فقد أفرزت هجمات «ترامب» و«بن كارسون» ردة فعل في صالح مسلمي البلاد بشكل إيجابي، تجلت على صعيدين رسمي وشعبي، ما يعطي فسحة طيبة من الأمل بإمكانية العيش المشترك الواحد الخلاق، داخل البلاد، المعتبرة مرآة للحرية أمس واليوم.... ما الذي جرى ومن تحدث؟ لتكن البداية مع وزير الخارجية الأميركي «جون كيري»، والذي اعتبر أن دعوات «ترامب» بمثابة تهديد للأمن القومي الأميركي ففي مقابلة له مع شبكة «إيه بي سي» قال كيري: (إن منع الناس بشكل مباشر من دخول أميركا لانتمائهم لدين معين يناقض بشكل كامل المبادئ الرئيسية لبلادنا التي قامت على التسامح). وأضاف: (إن دعوة ترامب تهدد الأمن القومي لأنها تعبر عن استعداد أميركي يسعى للترشح لرئاسة بلادنا للتفرقة ضد دين معين... أنها سياسة خارجية خطيرة جداً). من جهتها كانت «هيلاري كلينتون» ربما أشمل في ردودها التي تناولت كلا من «ترامب» و«بن كارسون»، فقد وضعت قراءة ترامب بأنها «نظرة تشارك داعش في لعبتهم، بمعنى أنها أصولية إقصائية واستبعادية للآخر كما يفعل البغدادي وزمرته من الدواعش». وفي ردها على «بن كارسون» الذي رأى أن المسلم الأميركي، لا يمكن عند لحظة معينة من الزمان أن يضحى رئيساً لأميركا قالت: «لن يكون هناك أي اختبار ديني مطلوب في أي وقت لأي منصب عام في الولايات المتحدة». بعض الرسميين الأميركيين مثل السيناتور «ليندسي جراهام» تحدث من منطلق براجماتي سياسي، مشيراً إلى أن دعوات «ترامب» تدفع بالأميركيين في الخارج، لاسيما من الجنود إلى الخطر المحدق، لأن أعداء أمريكا يمكن أن يستخدموا هذه التصريحات ضد الحضور الأميركي حول العالم. هناك كذلك من الجمهوريين الساعين للفوز بترشيح حزبهم للرئاسة، من يعارض التلويح بفزاعة «الإسلاموفوبيا» هذه من أمثال «رون بول»، الذي يربط المشاعر المعادية للإسلام في الداخل الأميركي بالحرب التي شنتها القوات الأميركية على الدول ذات الغالبية الإسلامية حول العالم، ويدخله في إطار لوازم الروباجندا والدعاية الحربية. هل تحدث ساكن البيت الأبيض؟ استمعنا في واقع الحال للمتحدث باسم البيت الأبيض «جوش إيرنست» الذي اعتبر أن تصريحات ترامب لا تمنحه أهلية شغل منصب الرئيس، ووصفها بأنها «منحطة أخلاقياً» على أن أفضل الأصوات الشعبية، عبر عنها في الداخل الأميركي، أسطورة الملاكمة في الوزن الثقيل، محمد علي كلاي، الذي أصدر بياناً ثلاثي الأبعاد، إن جاز التعبير، حث فيه الأميركيين والأوروبيين بنوع خاص على تفهم الدين الإسلامي على حقيقته، وإيضاح كيف أن هؤلاء القتلة الذين يدعون الانتساب للإسلام قد شوهوا صناعة صورته، وطالب بالتصدي لأولئك الذين يستغلون الإسلام لمصالحهم الخاصة، ومبينا كيف أن المسلمين الحقيقيين يعرفون أن العنف الوحشي الذي يمارسه من يطلق عليهم «الجهاديون» يتعارض مع مبادئ الدين الحنيف.. لكن أين أوباما في الجدال الدائر حول الإسلام والمسلمين في الداخل الأميركي؟ أوباما حجر عثرة أم رأس للزاوية؟ لا يمكن قراءة المشهد الإسلامي في الداخل الأميركي دون الوقوف مع الرئيس أوباما بنوع خاص، والذى بات مؤكداً أنه لم يكن رأسا للزاوية يستطيع البناؤون المراكمة من فوقه بإيجابية، بل بات حجر عثرة، حاول المزايدون من امثال ترامب استخدامه وتوظيفه، كآلية افتراق لا وسيلة اتفاق بين الأميركيين وبعضهم بعض، وبخاصة عندما وصفه بأنه غير أميركي وأنه مسلم في حقيقته وليس مسيحياً.. هل لهذا الحديث صدى في الداخل الأميركي؟ في شهر سبتمبر الماضي أجرت شبكة CNN الإخبارية الأميركية استطلاعاً للرأي، أظهر أن قسما كبيرا من الشعب الأميركي يعتقد بالفعل أن الرئيس الحالي «باراك أوباما»، مسلم، هذه النسبة بلغت 29% من المستطلعة آراؤهم بشكل عام، و43% من مؤيدي الحزب «الجمهوري» يعتقدون أن اوباما ليس مسيحياً وإنما مسلم، وفي أوساط مؤيدي دونالد «ترامب»، المرشح الرائد في قائمة «الجمهوريين» حتى الآن، فإن 54% يعتقدون أن أوباما مسلم. هل هذه النسب تبين لنا أن «ترامب، وبن كارسون، يخمران مزيجاً ساماً من العداء تجاه المسلمين في الولايات المتحدة التي كانت في السابق بوتقة ينصهر فيها الجميع؟ هكذا يتساءل: إريك لويس المنتمي للحزب «الديمقراطي»، والمحامي الشريك في مؤسسة «لويس باخ» في واشنطن عبر مقال له على شبكة الـ CNN أيضاً، وخلاصة الفكرة أن هناك ربطا ما يجري بين أوباما وبين«المسلم» عموماً، بوصفه متطرفا وارهابيا، وهو ربط يدعو لتأجيج جذور الغضب في المجتمع الأميركي. والمثير أن هناك من ينفخ في نار «أوباما والإسلاموفوبيا» من الجانب الإسرائيلي، مثل السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن «مايكل أورن» الذي كتب في يونيو المنصرم وعلى صدر صفحات دورية «فورين بوليسي» يقول (إن أوباما مهووس بالعالم الإسلامي بسبب ترك والديه له، كما أنه عاش بين أبوين مسلمين ــ الأب البيولوجي والأب المتبني ــ وأم مسيحية، وقد اتهم أورن أوباما بأنه ساذج وغير واقعي، ذلك الواقع الذي أصبح أكثر تعقيداً وفتكاً). والثابت أنه في بلد الحريات الشخصية، والمعتقد الإيماني الخاص، المصون بقوة الدستور، هناك من يتساءل عن الهوية الدينية للرئيس الحالي، والإسقاط قادم ولا شك على الرئاسة القادمة؟ وفي كل الأحوال فإن أوباما بدا وكأنه يدفع عن نفسه في أوائل ديسمبر الماضي، اتهامات ذات مسحة عقائدية، غير أنه أغضب ولا شك عموم مسلمي أميركا، عندما طالبهم بأن يساعدوا في «اجتزاز» المتطرفين وسطهم، جرى ذلك بعد حادثة سان «برناردينو»، وأعقبها نداء مماثلاً من رئيس الأمن الداخلي، جيه جونسون، في مسجد بفرجينيا. دعوة أوباما استهجنها مسلمو أميركا، الذين رأوا فيها تشويها لصورتهم، وتساءل بعضهم: «لماذا لم يرسل أوباما الرسالة نفسها إلى الكنائس الأميركية، بعد إطلاق النار من جانب متطرف أبيض، غير مسلم، على كنيسة للسود؟.. أنه من غير العدل أن يتحدث الرئيس الأميركي عن المجتمع المسلم بهذه الطريقة. أيهما أفضل لمسلمي أميركا؟ عن سؤال الانتماءات السياسية والحزبية لمسلمي الولايات المتحدة، نجد أن الكفة لابد وأن تميل حكماً إلى الحزب «الديمقراطي»، الأرحب فكراً والأوسع معيناً للأجانب والمهاجرين، سيما وأن «الجمهوريين» معروف عنهم تشددهم وعدم ترحيبهم بالأجانب، ولهذا فإن 64% من مسلمي أميركا يدعمون أو يميلون إلى دعم الحزب «الديمقراطي»، في حين أن 17% فقط يدعمون أو يظهرون تفضيلاً للحزب «الجمهوري» المنافس. والثابت أنه رغم البيانات الإيجابية السابقة التي رشحت عن استطلاع «بيو» إلا أن الداخل الأميركي به عدد فاعل من العناصر التي لا هم ولا شاغل لها سوى تشويه صورة مسلمي الداخل، من نوعية «ستيف إيمرسون» صاحب فيلم «جهاد في أميركا»، ودانيال بايبس كبير المروجين لفكرة رغبة المسلمين في أن تسود الشريعة الإسلامية الدولة الأميركية، و«بيل ماهر» المقدم التليفزيوني الشهير، الذي لقنه الممثل الأميركي «بن إفليك» درساً بليغاً رداً على عنصريته التي أبداها تجاه المسلمين. هل يذهب «الجمهوريون إلى المساجد؟! ففي تقرير لصحيفة «ديلي بيست» الأميركية نجد تصريحات لبعض من المسلمين الأميركيين المنتمين للحزب «الجمهوري»، تثير الدهشة، إذ يقول أحدهم: (ربما أكون ساذجاً، ولكني في الواقع متفائل). أما لماذا التفاؤل، فيبدو أن مسلمي الولايات المتحدة قد عاشوا من قبل في عمق تلك الإشكالية في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، لكن الكتلة الإسلامية تجاوزتها. فيما أعربت سيدة أميركية مسلمة من «الجمهوريين» عن أملها في أن يذهب مرشحو الحزب «الجمهوري» إلى المساجد أثناء صلاة الجمعة لمعرفة المزيد عن الدين الإسلامي، لا لحصد المزيد من الأصوات فقط. في هذا السياق يبقى موقف الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية مؤثراً وفاعلاً لا سميا في ظل الحوادث العنصرية الأخيرة والصدامات مع رجالات الشرطة الأميركية في عدد من الولايات، ونسبة كبيرة بينهم من المسلمين، وهو موقف قابل أيضاً لكثير من تغير الأوضاع، وتبدل الطباع بحسب التركيبة النهائية للمرشحين، ورؤاهم تجاه السلام عامة كدين، وللمسلمين كاتباع ومؤمنين. هل من حقيقة مؤكدة ما لا يمكن لأحد أن يواريها أو يداريها؟ لمن سيصوت مسلمو أميركا؟ يبدو أن مسلمي أميركا في واقع الحال في حيرة من أمرهم: لصالح من يصوتون في نوفمبر القادم هل لـ«الديمقراطيين» أم لـ«الجمهوريين»؟ مشهد مشابه تماماً للقلق الحادث الآن شهدته الأوساط الإسلامية الأميركية في انتخابات الرئاسة عام 2000، حين تخوفوا من التصويت للمرشح «الديمقراطي» آنذاك «آل جور» بسبب اختياره السيناتور اليهودي المتشدد «جوزيف ليبرمان» على تذكرته، وقد صوت الجميع لمنافسه «الجمهوري» جورج بوش الابن، وجرى ما جرى من ورائه لاحقاً، الآن يبدو أن المشهد يتكرر، وهو ما دعا الكاتب الأميركي «دافيد جراهام» للتساؤل هل خسر «الجمهوريون» أصوات المسلمين سيما بعد تصريحات ترامب وبن كارسون؟ أحد عشر شهراً تقريباً تفصل بيننا وبين موعد الانتخابات في نوفمبر المقابل، لكن من الواضح أن هناك اتجاهاً عاماً بين مسلمي أميركا هذه المرة لإظهار تضامنهم وإعلاء شأن مواطنتهم، غير عابئين بالتخرصات والتهويمات التي تطلق من حولهم وبشأنهم. بالقطع تسهم حقيقة المجتمعات الإسلامية اليوم حول العالم في خلق مناخ سوف تتزايد فيه تأثيرات الإسلام والتنظيمات الإسلامية على التطور السياسي والاجتماعي، بدلاً من أن تتلاشى في معظم المجتمعات المسلمة، وما المعركة الدائرة حول الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة وهي تستعد لانتخاباتها الرئاسية القادمة إلا خير دليل على ذلك. *كاتب مصري