منذ تولي الرئيس الحالي للولايات المتحدة السلطة، أخذت مواقفها تجاه دول الخليج العربي تشهد فتوراً لم يحدث من قبل في تاريخها، منذ أن بدأت تأخذ حميميتها وقوتها بلقاء الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود بالرئيس الأميركي الأسبق أيزنهاور على ظهر السفينة التي كانت تقله في المياه الإقليمية لمصر. لكن الفتور هذا يجعلنا كمراقبين نلقي سؤالاً جوهرياً حول حقيقته، بمعنى: هل هو فتور عميق أم أنه مجرد سحابة صيف ستنتهي بانتهاء ولاية الإدارة الحالية. والحقيقة أن ما نعتقده هو أنها فعلاً سحابة صيف ناتجة عن ضبابية وعدم وضوح السياسة الخارجية الأميركية ليس تجاه الخليج العربي فقط، ولكن تجاه جميع قضايا المنطقة العربية وجوارها الجغرافي أيضاً. وما يدفعنا إلى مثل هذا الطرح، الذي قد يبدو للقارئ الكريم وكأنه يقيني وقاطع، هو أن حجم المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية والسياسية في الخليج العربي من النوعية التي لا تسمح للولايات المتحدة بالتخلي عنها وبهذه السهولة والسطحية. وقد يقول قائل بأن الولايات المتحدة دولة مؤسسات ولديها خطط واضحة لا ترتبط بأشخاص الرؤساء أو صفة الإدارات التي يشكلونها، بل تقوم على أسس استراتيجية يتم وصفها من قبل تلك المؤسسات وعلى الجميع الالتزام بها وتنفيذها، بغض النظر عن شخص ذلك الذي يجلس في البيت الأبيض ومن يختارهم لمساعدته. إن هذا الطرح صحيح ولا يمكن أن يختلف عليه العارفون بمسارات ودهاليز السياسة الأميركية، ولكن أيضاً توجد حقيقة مفادها أن المتفق عليه هو الحفاظ على المصالح وتحقيقها، ولكل «شيخ طريقته» في تحقيق تلك المصالح، والمهم هو الظفر بها في نهاية المطاف، وليس الطريقة أو الوسائل التي يتم بها ذلك. وقد يشير آخرون أيضاً إلى أن الولايات المتحدة لها تاريخ حافل من التخلي عن العديد من حلفائها حول العالم، وهي غير مأمونة الجانب على هذا الصعيد، وهذا صحيح أيضاً، لكنه يتوقف على حجم المصالح التي تربطها بأي طرف حول العالم، فعلاقاتها مع جمهوريات الموز ليست كعلاقاتها مع دول الخليج العربي. دول الخليج العربي مهمة جداً لمصالح الولايات المتحدة العليا، وعلى المدى الطويل، ويلاحظ ذلك مما يدلي به المسؤولون الكبار فيها، فمجمل التصريحات تشير إلى وجود مصالح سياسية واستراتيجية واقتصادية عليا مهمة تنصبّ في ثلاثة أمور: فأولاً: احتواء وتحجيم وضرب أية قوة عسكرية تحاول المساس بتلك المصالح، وإبقاؤها ضمن حدودها، إن لم يكن تحطيمها كلية. ثانياً، المحافظة التامة على استمرارية الوصول إلى النفط وما يرتبط بذلك من سيطرة على مكامنه وطرق استخراجه وسلامة طرق المواصلات ووسائلها التي تحمله إلى المستهلكين حول العالم. ثالثاً، استمرارية وسلامة الطرق والمواصلات البحرية التجارية الداخلة إلى الخليج العربي والخارجة منه على الصعيدين المدني والعسكري. لذلك يمكن القول بوجود ارتباط وثيق بين الأهمية الاقتصادية لدول الخليج العربي والأهمية الاستراتيجية- السياسية له من منظور الولايات المتحدة. وعلى ضوء الأحداث التي تلم بالمنطقة العربية وجوارها الجغرافي من المرجح لسياسات الولايات المتحدة المستقبلية في الخليج العربي، خاصة إذا ما وصل الجمهوريون إلى البيت الأبيض- وعلى المدى المنظور- أن تنحصر في ثلاثة أمور مهمة، هي: أولاً، التدخل السياسي والعسكري المباشر في الخليج العربي في حال وجود أخطار على الدول القائمة، داخلياً أو خارجياً تهدد هذه الدول، فالولايات المتحدة تعترف بشرعيتها ومن المرجح ألا تسمح لأي طرف بالمساس بها. ثانياً، التصدي بشدة للأخطار الخارجية التي قد تهدد تلك الدول وردعها. ثالثاً، إيجاد صيغ للتعاون الإقليمي السياسي والعسكري ما بين دول الخليج العربي ذاتها لكي تتمكن من تنسيق مواقفها وإيجاد الوسائل والحلول للدفاع الذاتي عن نفسها. وتتوقف أهمية أي من البدائل الثلاثة هذه على الظروف التي ستواجهها الولايات المتحدة في المنطقة، وليس من المستبعد أن تركز الإدارة الأميركية القادمة هذا العام على إحياء مقترحات المشاريع المختلفة، من صيغ التعاون الإقليمي بين دول الخليج العربي والدول العربية الفاعلة الأخرى على الصعد السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية بدعم من الولايات المتحدة.