لا شك أن عمليات تطهير التراب الليبي من براثن الإرهاب تحتاج دعماً ومؤازرة حتى يتم القضاء عليه تماماً ‏وتنتهي كل أشكاله وألوانه، بعدما تفشت جماعات العنف والتطرّف هناك، وانتشرت كالنار في الهشيم، وأتت على الأخضر واليابس. وقد استغلت جماعات الإرهاب الوضع غير المستقر، والموقع الجغرافي المهم لذلك البلد بحكم ارتباطه المباشر بـ6 دول عربية وأفريقية مهمة.. وامتداده بأطول ساحل على حوض البحر الأبيض المتوسط الذي تصل إطلالته البحرية عليه إلى أكثر من 1955 كلم. وزاد تعطش وجشع وطمع جماعات العنف والإرهاب للتكالب على ليبيا، وجود مخزون كبير من النفط للسيطرة عليه وفرض قيود على زبائنه من الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط. ويكتسي الوضع الليبي أهمية قصوى بالنسبة للعرب أجمعين دون استثناء من الشرق إلى الغرب، ولا تقل عن ذلك أيضاً ذات الأهمية لدى الغرب. هذا بالإضافة إلى دور ليبيا المهم والحيوي في القارة السمراء، وبالتالي فهي ذات أهمية استثنائية، جغرافية وجيوسياسية، عربية وأفريقية وإقليمية ودولية أيضاً، ولذا فلابد من الالتفات إلى الحالة الليبية، والتحرك بجدية لإنقاذ الوضع هناك بدلاً من ترك صحراء ليبيا مرتعاً ومأوى لـ«الدواعش» والمجرمين، من كل شكل ولون، يقيمون فيها أوكاراً وملاذات للإرهاب، يستخدمونها لمهاجمة من حولهم، ويستغلونها لإقامة «دولتهم» المزعومة الموهومة، لتكون بذلك شوكة في خاصرة القارة العجوز، وحجر عثرة في طريق إعادة ترتيب البيت العربي الكبير وإزالة ما خلفه «الربيع المشؤوم» الذي ساهم في تراجع الأمة عشرات السنين، وزاد تخلفها عن ركب سباق الأمم، وقد انهارت تلك الدول التي انجرت شعوبها وراء المزاعم الواهية، ودعاوى الديمقراطية، الزائفة النازفة، وتكبدت فواتير ضخمة، وينتظرها من العناء والأعباء ما هو أطم وأضخم لإعادة مسيرة التنمية والبناء، ومحاولة الرجوع على أكثر تقدير إلى المربع الأول، لما كانت عليه، وضمان حياة مستقرة، من جديد. إن الوضع الأمني الليبي بات اليوم على المحك، والتدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أصبح ضرورة ملحة، وتقديم كافة أشكال الدعم لليبيين من خلال مساندتهم ومؤازرتهم في تخطيهم لمحنتهم وإقالة عثرتهم، واقتلاع الإرهاب من جذوره، يقتضي العمل على إعداد خطة استراتيجية عسكرية سريعة للقضاء على التهديد المتمثل في تنظيم «داعش» قبل أن يتمكن من السيطرة على مناطق نفطية ليبية لنهب مزيد من الموارد النفطية وبالتالي زعزعة الاستقرار العربي والأوروبي والدولي، الذي يطال، بلا شك شرره وضرره جميع بقاع العالم وأطرافه دون استثناء. ولا حاجة إلى دليل على أن الأوباش «الدواعش» تجذبهم رائحة النفط الليبي طامعين في ممارسة دورهم المعهود من «قطاع الطرق»، بنهبه وسلبه وبيعه في الأسواق السوداء بمعرفتهم، ولكن يا ترى هل ستكتفي شهية «الزبائن» وستشبع منه بعدما وصلوا لحد التخمة من النفط السوري المسروق؟ إن محاربة «داعش» في الأراضي الليبية أصبحت ضرورة لا مفر منها بالنسبة لصناع القرار للقضاء على سرطان «داعش» هناك، الذي يبحث له عن طريق في سواحل مدينة سرت نحو مواقع النفط لشق طرق وفتح مناطق لعمليات التهريب العابرة للحدود في الجنوب. والحل بيد المؤسسة العسكرية القادرة على وضع خطط أمنية عاجلة ومكافحة الإرهاب، إذا ما توفر لها الدعم التقني واللوجستي والفني، من طرف المجتمع الدولي كله. وهذا يقتضي تمكنها من تشكيل تحالفات سريعة من دول الجوار لإحكام السيطرة على المنافذ الحدودية وشد الخناق والوثاق على المجرمين حتى يتم القضاء عليهم تماماً وطردهم شر طردة. مثلما تم طردهم من مواقع أخرى كانوا قد احتلوها من قبل واستباحوها وعاثوا فيها الفساد. ولا خيار واقعياً غير هذا، فالاستقرار الليبي يمثل استقراراً للجميع، وتدريب القوات الشرعية ومدها بالسلاح والعتاد ووسائل مكافحة الإرهاب تساهم في الحفاظ على أمن المنطقة كلها، وتضمن خروج ليبيا نفسها من دوامة العنف والسلب والنهب الذي يطمع فيه الساقطون والمجرمون، مرتزقة الإرهاب والظلامية والخراب.