كنت دائماً أقول إن ما يقوله المرشحون الأميركيون للمناصب العليا عن الشرق الأوسط ينبغي أن يكون اختباراً جوهرياً إزاء قدرتهم على قيادة بلادنا. ومنذ نهاية حرب فيتنام، أنفقنا أموالاً كثيرة، وبعنا أو منحنا كثيراً من الأسلحة، وأرسلنا آلاف الجنود، وخضنا حروباً كثيرة، وخسرنا أرواحاً وأزهقنا أخرى، وقدمنا رأسمالاً سياسياً كبيراً، وقامرنا بمصالح جوهرية في هذه المنطقة أكثر من أي مكان آخر من العالم. وعلى رغم ذلك، لم يواجه مرشحونا هذا الواقع من خلال تقديم مناقشة جوهرية حول التحديات التي نواجهها في هذه المنطقة المحورية. وقد أنصتُّ باهتمام بالغ لكافة مناظرات الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وشعرت بانزعاج شديد. وأكثر ما يقلقني هو ما أسمعه من «الجمهوريين». ووفق ما سمعته حتى الآن، يتفق «الجمهوريون» بشكل كبير على نقاط قليلة تتمثل في ضرورة هزيمة تنظيم «داعش»، وأهمية حماية إسرائيل وعدم انتقادها، وسوء الاتفاق حول النووي الإيراني وضرورة إلغائه، وعلى أن الرئيس أوباما قد أضعف أميركا وخان حلفاءنا، وأن اللاجئين السوريين، خصوصاً المسلمين منهم، ينبغي عدم السماح بدخولهم إلى الولايات المتحدة. وبالطبع، توجد بعض الاختلافات في كيفية طرح المرشحين لطريقة التعامل مع هذه المجموعة من المخاوف. وهناك بعض القضايا الأخرى في الشرق الأوسط التي يختلفون حولها، مثل تدهور الأوضاع عقب الإطاحة بديكتاتوريين مثل معمر القذافي. بيد أنني أرى أن معظم السياسات الخاصة بالشرق الأوسط التي يؤيدها المرشحون هي إما غريبة أو مبتذلة، وهذا يكشف افتقاراً مخيفاً للجدية والفهم الخاص بالقضايا التي تواجه الولايات المتحدة في هذه المنطقة المضطربة من العالم. ويزعم «دونالد ترامب» على سبيل المثال، أن التعامل مع حلفائنا العرب سيكون سهلاً بالنسبة له، لأنه: «يعرف هؤلاء الناس، ولديه علاقات تجارية معهم»، متجاهلاً حقيقة أن كثيراً من «هؤلاء الناس» أدانوا بقوة تصريحاته، وألغوا علاقاتهم التجارية معه عقب إبداء تعصبه الأعمى ضد المسلمين مراراً وتكراراً. ومن جانبه، عرض «جيب بوش» أجندة سريعة وسهلة مكونة من ثلاث نقاط لمعالجة الأوضاع في الشرق الأوسط تضمنت: التعامل بحزم مع إيران، ونقل السفارة الأميركية في إسرائيل مباشرة من تل أبيت إلى القدس، ثم إعادة بناء العلاقات المهترئة مع الحلفاء العرب في المنطقة، متناسياً حقيقة أنه بمجرد نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، فلابد أن ينسى تماماً إعادة بناء العلاقات مع الحلفاء العرب، وإنما عليه أن يتأهب لأزمة مع جميع الدول العربية والإسلامية. وبعد ذلك، يوجد «تيد كروز» و«ماركو روبيو»، اللذان يرفضان دخول اللاجئين السوريين من المسلمين إلى الولايات المتحدة، وهو ما يمكن وصفه «بعدم المسؤولية» و«الحماقة» لأنه على الرغم أن والديهما كانا لاجئين أصلاً، إلا أنهما يرغبان الآن في منع دخول المدنيين الأبرياء الفارين من هول الحروب والاضطهاد على أساس دينهم، وهو أمر فيه تمييز عديم الضمير، ويؤثر سلباً على علاقاتنا مع العالم الإسلامي. وأما «تيد كروز»، الذي يتحدث كشخص حازم عن قصف «داعش» حتى رمال الصحراء، أو مشاورات «كريس كريستي» المستندة إلى الماضي، فتجعل المرشحين مثل هاويين سخيفين. والحقيقة أن معظم تصريحات مرشحينا بشأن قضايا الشرق الأوسط تنمُّ عن جهل، فهم لا يفهمون، أو تجاهل مع سبق الإصرار، لأنهم لا يرغبون في المعرفة اعتقاداً منهم بأن ذلك لا يهمهم سياسياً! أو بسبب مشكلة أيديولوجية، وهي أزمة يعانيها المحافظون الجدد مثل روبيو أو الإنجيليين مثل كارسون، الذين ترتكز آرائهم على عقائد وليس على حقائق! ولابد أيضاً من انتقاد «الديمقراطيين»، ففي حين أنهم لم يدلوا بتصريحات مثيرة للجدل أو يهددوا بغوغائية، إلا أنهم أيضاً عجزوا أو أخفقوا في معظم الأحيان عن اقتراح أفكار جديدة يمكن أن تساعد في وضع حد للصراعات المتأججة في الشرق الأوسط. وعلى سبيل المثال، فإن الوعد بدعم حل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من دون اقتراح لتقييد سلوكيات إسرائيل أو إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية، يبدو وعداً أجوف. وفي هذه القضية وغيرها من القضايا، سيكون انتهاج سياسات الماضي الفاشلة نفسها مقدمة مؤكدة لمزيد من الفشل. وتبدو النتيجة مأساوية، لأن ما يحدث يعني أننا سنواجه انتخابات أخرى يخوض المرشحون فيها في مناظرات حول الرعاية الصحية والمخصصات وإصلاح الهجرة ووضع الجيش، ولكننا لن نناقش أفكاراً جديدة ربما تساعدنا في تحديد أي المرشحين يصلح لقيادة الدولة للتعامل مع منطقة من العالم كانت محدداً لمسؤوليات جميع الرؤساء الأميركيين خلال العقود الأربعة الماضية. وبالطبع يستحق الشعب الأميركي من هم أفضل، ويحتاج العالم ما هو أكثر جدية من المواقف والسياسات.