أول أمس الخميس 28 يناير، حلت الذكرى السنوية الثلاثين لفقدان المكوك الفضائي «تشالينجر» وطاقمه المكون من سبعة أفراد. ومنذئذٍ، فقدت الولايات المتحدة مكوكاً آخر هو كولومبيا عام 2003، وأنهت هذا برنامج البرنامج تماماً عام 2011. ومن السهل أن ننسى أن إنشاء المكوك هو الخطوة المنطقية التالية نحو إرسال بعثة بشرية إلى المريخ، وكان من المقرر أن يحلق المكوك بأمان وبشكل يعتمد عليه واقتصادي في الوقت نفسه إلى محطة فضائية من خلالها تغادر بعثة بشرية إلى الكوكب الأحمر. واقتربت محطة الفضاء من نهايتها أيضاً لكن إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وكثيرين من أنصارها ما زالوا يركزون على المريخ. وهذا التخيل بشأن إرسال بشر إلى المريخ بدأ مطلع ستينيات القرن الماضي. ففي عام 1961 تحدى الرئيس جون كيندي العلماء البارعين في «ناسا» بأن يرسلوا رجالاً إلى القمر. وعندما أتم العلماء هذا التحدي أرادوا تكرار الإنجاز بإرسال البشر إلى المريخ. حدث هذا قبل 50 عاماً تقريباً والحلم المستحيل ما زال بعيداً فيما يبدو الآن مثلما كان عندما راود الخيال للمرة الأولى. ولماذا حاولنا لفترة طويلة للغاية وحققنا القليل من التقدم؟ هناك سببان رئيسيان. أولهما الكلفة. فتقديرات إرسال البشر إلى المريخ تتفاوت بين 100 مليار وتريليون دولار. ويتوق المتحمسون بشأن الفضاء إلى الأيام السعيدة للمكوك أبولو عندما بلغ التمويل لناسا قمته عند 4.4 في المئة من إجمالي الميزانية الاتحادية، لكنهم يعجزون عن إدراك أن هذا قد يصل إلى نحو 180 مليار دولار في العام، وهو عشرة أمثال ميزانية «ناسا» حالياً. وتنفق «ناسا» بالفعل على الفضاء أكثر من باقي دول العالم مجتمعة، والرؤساء يتحدثون فحسب من حين إلى آخر عن بعثة بشرية إلى المريخ باعتبارها هدفاً طويل الأمد، ومنذ كيندي لا يظهر رئيس يبدي استعداداً للإنفاق على هذا الهدف، بل حتى كيندي نفسه حاول التملص من التزامه حين أدرك تأثير حاجات قومية أشد إلحاحاً. وجورج بوش الابن دشن مع إعادة انتخابه عام 2004 «برنامج الكواكب» لهبوط البشر على سطح المريخ لكنه لم يقدم قط جزءاً كافياً من التمويل لتحقيق النجاح، والسبب الثاني الكبير الذي حال دون هبوط البشر على المريخ أو التوجه إلى هناك قريباً هو الافتقار إلى رؤية واضحة لما سيفعلونه هناك حين وصولهم. ومعظم الأشخاص الذين يتنبؤون بالمستقبل يتخيلون إقامة مستعمرات على المريخ لكن كلفة مثل هذه الرحلة الاستكشافية أكبر بكثير من كلفة الوصول إلى هناك، فحين أرسلنا الناس إلى القمر لم يكن هناك مبرر لإقامة مستعمرات هناك أو حتى معاودة الزيارة. والوصول إلى المريخ أصعب بكثير وأكبر كلفة من الوصول إلى القمر والمريخ أقل ملاءمة لإيواء البشر وأقل نفعاً للبشر على الأرض، واستكشاف المريخ يمكن القيام به بشكل أفضل بآلات أوتوماتيكية يجري التحكم فيها على الأرض. وتستطيع هذه الآلات البقاء لفترة أطول والتجول لمسافات أطول، وأن تقوم بأعمال أكثر من البشر بكلفة وخطورة أقل بكثير. لكن ما زال هناك حجة لإرسال بعثة بشرية إلى المريخ تمزج الرؤية الرومانسية بالعائد العملي. فبدلاً من الوصول ببساطة إلى المريخ، ربما تتزعم الولايات المتحدة كونسورتيوم دولي من هيئات عامة وخاصة تتعاون في بعثة للمريخ، وبعض التعاون يجري حالياً. ووكالة الفضاء الأوروبية على سبيل المثال قدمت وحدة انتقال أولية لدعم مركبة «ناسا» المخصصة للسفر إلى المريخ. وهناك عدد من الشركات، وأبرزها شركة «سبيس إكس» لصاحبها «إيلون موسك» أظهرت كيف يستطيع القطاع الخاص تطوير تقنيات مبتكرة جديدة لخفض كلفة رحلات الفضاء. ومشاركة دول العالم المهتمة بأبحاث الفضاء وصناعات الفضاء في مشروع تعاوني سيكون عملاً بطولياً في حد ذاته، وهو أمر جدير بالمضي فيه قدماً بصرف النظر عن الوقت الذي يحقق فيه النجاح أو احتمالات هذا النجاح. ـ ـ ـ ــ ـ أليكس رونالد أستاذ فخري للتاريخ في جامعة «دوك» الأميركية ومؤرخ سابق في «ناسا» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»