بعد تطبيق الاتفاق النووي وتبادل السجناء مع طهران، ربما يرغب أوباما في أن يصدق بأن إيران، ومثلما أشار إلى ذلك في حوار مع إذاعة «إن بي آر» قبل نحو عام حول شروط ومتطلبات التوصل لاتفاق مع طهران، بأن إيران باتت اليوم في طريقها إلى أن تصبح «لاعباً إقليمياً ناجحاً جداً» يحترم «المعايير والقوانين الدولية»، ولكن هذا يتعارض مع سجل إيران الطويل في محاربة الأميركيين، باستعمال التكتيكات نفسها دائماً. ففي 20 يناير 2007، دخل نحو اثني عشر مقاتلاً عراقياً يرتدون بذلات عسكرية ويقودون مركبات «جي إم سي سابوربن» إلى مقر محافظة كربلاء في محاولة جريئة لاختطاف جنود أميركيين، ما أسفر عن موت جندي أميركي واحد في معركة نارية بينما احتُجز أربعة آخرون من قبل المهاجمين ثم قُتلوا خلال عملية ملاحقة من قبل القوات الأميركية. وبعد ذلك، قبضت قوات التحالف على زعيمين من تنظيم إرهابي مدعوم من إيران يدعى «عصائب أهل الحق»، الأخوين قيس الغزالي وليث الغزالي، اللذين كشفا أثناء التحقيق معهما عن تورط مباشرة لـ«فيلق القدس» الإيراني في التخطيط للهجوم. ولاحقاً، أُلقي القبض على عميل لـ«حزب الله» اللبناني على علاقة وثيقة بـ«فيلق القدس» يدعى علي موسى دقدوق الذي تبين أن له علاقة بالهجوم أيضاً رغم محاولاته التظاهر بأنه أصم وأبكم. وبعد عامين على هجوم كربلاء، في 2009، أُفرج عن ليث الغزالي في إطار تبادل للسجناء مع مقاتلين شيعة مدعومين من إيران كانوا قد اختطفوا خمسة بريطانيين في العراق وقتلوا أربعة منهم. أما قيس الغزالي، فقد أُطلق سراحه في 2010 ودقدوق في 2012. اليوم، عاد «الأخوان الغزالي» لقيادة «عصائب أهل الحق»، التي باتت أقوى من أي وقت مضى، ويبدو أنها عادت لعاداتها القديمة. ففي 16 يناير الجاري، قامت مجموعة من المقاتلين الذين كانوا يرتدون بذلات عسكرية ويقودون مركبات رباعية الدفع باختطاف ثلاثة أميركيين في بغداد. اثنان من المقاتلين على الأقل كانا يعملان مدربين في جهاز مكافحة الإرهاب، وهي وحدة العمليات الخاصة العراقية التي تُعتبر أكثر جزء فعالية في الجيش العراقي (هي التي قادت الهجوم الأخير لتحرير الرمادي)، والجزء الوحيد تقريباً من الجيش الذي لم تخترقه الميليشيات الشيعية، وقد أفادت وسائل إعلام مختلفة بأن الأميركيين اقتيدوا إلى «مدينة الصدر» الشيعية وأن «عصائب أهل الحق» هي المسؤولة عن تلك العملية على الأرجح، ربما بتنسيق مع ميليشيا أخرى مدعومة من إيران تدعى «سرايا السلام». والواقع أن «عصائب أهل الحق» ميليشيا تابعة كلياً لـ«فيلق القدس» الإيراني، ومن غير المعقول أن تقوم باختطاف واحتجاز أميركيين – وهو عمل تترتب عليه تداعيات دولية خطيرة - من دون موافقة ضمنية من طهران على الأقل، وربما دعمها الفعلي. غير أن إدارة أوباما تقوم بكل ما في وسعها من أجل التعتيم على ذلك الواقع. ولكن لماذا ستحتاج إيران لجلب رهائن إلى أراضيها في وقت تسيطر فيه على جزء كبير من العراق؟ وما نوع الأدلة التي سيقبلها المسؤولون الأميركيون كبرهان على تورط إيران؟ ربما ليس أقل من مكالمات بين مسؤولين إيرانيين والخاطفين يتم اعتراضها من قبل الاستخبارات الأميركية، والحال أن أعداءنا أضحوا أكثر دهاءً بخصوص أمن الاتصالات منذ تسريبات «سنودن» حول قدرات الولايات المتحدة على التنصت، وبالتالي فإن دليلاً من هذا القبيل قد لا يتأتى أبداً. لقد أضحت الولايات المتحدة تعتمد على إيران ليس فقط في تنفيذ الاتفاق النووي الذي سيشكل أساس تركة أوباما في السياسة الخارجية، ولكنها باتت تعتمد أيضاً على الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق من أجل محاربة تنظيم «داعش». وإذا كانت الولايات المتحدة تشدد على أن تبقى الميليشيات الشيعية بعيدة عن الخطوط الأولى في معركة الرمادي، التي ينتمي سكانها إلى السنة، فإنها تؤثر عموماً غض الطرف عن القوة المتزايدة للميليشيات. ولكن كلفة هذا الموقف الأميركي باهظة، فمثلما تشير رويترز، فـ«بسماحها للميليشيات الشيعية بالتحرك بحرية ضد خصومها السنة، تغذي واشنطن الانقسام الطائفي بين السُّنة والشيعة الذي يمزق العراق حالياً». وبالفعل، فإن قوة الميليشيات الشيعية تدفع الكثير من السنة لاحتضان داعش باعتباره أخف الضررين. ماكس بوت* ومايكل بريجنت ** *زميل مجلس العلاقات الخارجية الأميركي في نيويورك **ضابط متقاعد في استخبارات الجيش الأميركي وزميل معهد «هادسون» في واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»