ضربت عاصفة ثلجية غير مسبوقة الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأسبوع الماضي. ونتيجة لذلك، تأثرت الحياة اليومية لنحو ثمانين مليون نسمة، حيث تسببت العاصفة في إلغاء آلاف الرحلات الجوية، وفي تقليص حركة وسائل المواصلات الأرضية بشكل كبير، وإغلاق المدارس والمتاجر ومعظم أماكن العمل. ولذلك السبب فقد انشغل الأميركيون، وعلى مدى بضعة أيام، عن الخبر السياسي الكبير في بلدهم، ونقصد بذلك الحرب الأهلية الشاملة التي اندلعت داخل الحزب الجمهوري. المعركة الكبيرة تجمع المرشحين المتقدمين في استطلاعات الرأي؛ رجل الأعمال المثير للجدل دونالد ترامب، وسيناتور ولاية تكساس تد كروز. فحتى وقت قريب، كان هذان المتنافسان القادمان من خارج مؤسسة الحزب جد مهذبين في التعامل مع أحدهما الآخر، لكن خطابها أضحى قبيحاً على نحو استثنائي الآن، حيث اتهم ترامب كروز بأنه غير مؤهل لأن يصبح رئيساً للولايات المتحدة؛ لأنه ليس «مواطناً مولوداً في الولايات المتحدة»، وهو شرط ينص عليه الدستور الأميركي، وإن كان ثمة غموض كبير بشأن كيفية تطبيقه. ويشار هنا إلى أن كروز ولد في كندا لأب كوبي وأم أميركية. وبالمقابل، يحاجج كروز بأن ترامب جمهوري مزيف، لأنه متشبع بـ«قيم نيويورك» الليبرالية، وسبق له أن قدم تبرعات مالية كبيرة لسياسيين ديمقراطيين على مدى سنين طويلة، من بينهم بيل وهيلاري كلينتون. وهو ما لا ينفيه ترامب الذي يقول هذا «صحيح»، لكنه يضيف أنه رجل أعمال ويعرف كيف يتفاوض ويبرم الصفقات ويحافظ على علاقات ودية مع «سماسرة السلطة» الذين يعتبرون مهمين بالنسبة لمصالحه التجارية. أجل، إن لديه أصدقاء عديدين في أماكن مختلفة، على عكس كروز الذي يُعتبر شخصية جد مكروهة في مجلس الشيوخ لدرجة أن لا أحد من زملائه قدم دعمه لترشحه حتى الآن. وفي هذا الصدد، نجح ترامب مؤخراً في الحصول على دعم حاكمة ولاية ألاسكا السابقة «سارة بالين» التي كان السيناتور جون ماكين قد اختارها لتكون زميلته في سباق الانتخابات الرئاسية في 2008. وتُعتبر بالين شخصية غير محبوبة بالنسبة لكثير من الجمهوريين، غير أنه لديها أتباع أوفياء في جناح أقصى اليمين في الحزب. وبالنظر لمشاعر العداء تلك، يفترض من الناحية النظرية أن يستفيد المرشحون الجمهوريون المحسوبون على «مؤسسة» الحزب، والذين مازالوا في السباق، وهم: السيناتور ماركو روبيو، وحاكم ولاية أوهايو جون كاشيش، وحاكم ولاية نيوجيرزي كريس كريستي، وحاكم ولاية فلوريدا السابق جِب بوش، يفترض أن يستفيدوا من هذه المشاحنات لكسب مزيد من النقاط السياسية والصعود في استطلاعات الرأي. لكن هذا لم يحدث حتى الآن. وإذا أبلى ترامب وكروز بلاء حسناً، مثلما تتوقع استطلاعات الرأي، وحققا نتائج جيدة في الولايات الأولى التي ستشهد انتخابات تمهيدية (أيوا في الأول من فبراير ونيوهامبشر في التاسع من فبراير)، فسيكون لديهما زخم كافٍ للوصول إلى الانتخابات التمهيدية الأكبر بمزيد من المندوبين في الولايات الجنوبية في أواخر فبراير ومارس المقبلين. وما لم يقدم أحد المرشحين المتأخرين في استطلاعات الرأي حالياً أداءً جيداً غير متوقع، وخاصة في محطة نيوهامبشر، فإن فرصهم في البقاء في السباق ستتقلص وتتضاءل. والواقع أن كلا من ترامب وكروز يرمزان لمشاعر الغضب السائدة في أميركا على خلفية الشلل السياسي في واشنطن وفشل كلا الحزبين في إيجاد طريق للتوافق حول مختلف القضايا المهمة في ما عدا التشريع الخاص بالإبقاء على الحكومة الفيدرالية مفتوحة وتجنب الإعلان عن عجز الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها المالية. أما في صفوف الحزب الديمقراطي، فإن مشاعر الغضب هذه نفسها هي التي تفسر شعبية المرشح الديمقراطي سيناتور ولاية فيرمونت بيرني ساندرز، الذي يسمي نفسه اشتراكياً ويرغب في أن يكبح بشكل جذري نفوذ «وول ستريت» والمؤسسات المالية الكبرى التي يزداد مدراؤها غنى، بينما لا ترى الطبقة المتوسطة أي تحسن في أحوالها وفرصها في الارتقاء الاجتماعي والاقتصادي. وعليه، فإن الجناحين الأكثر راديكالية في كلا الحزبين ملا وضاقا ذرعاً بـ«الوضع الحالي» و«الممارسات الحالية» ويبدوان مستعدين، مثلما تؤشر إلى ذلك استطلاعات الرأي، للتصويت لمرشحين يفترض ألا فرصة لديهم في النجاح في الأحوال العادية. والأكيد أنه بعد الانتخابات التمهيدية في آيوا ونيوهامبشر سنعرف ما إن كانت مشاعر الغضب هذه ستترجم إلى أصوات. لكن خلال الأسبوع المقبل ستكون أولوية كل المرشحين هي العمل الميداني والتواصل مع الناخبين على الأرض من أجل حثهم على الذهاب للمشاركة في الانتخابات التمهيدية والإدلاء بأصواتهم في مكاتب الاقتراع حتى في ظل الظروف المناخية الحالية السيئة. وبعد الإدلاء بأولى الأصوات، ستبدأ الانتخابات الحقيقية.