«لم يوجد قط في أيّ عصر هذا القَدْر العظيم من الوعد والخطر». قال ذلك «كلاوس شواب»، مؤسس ورئيس «دافوس» الذي اختتم أعماله الأسبوع الماضي. ويأس الأمل في هذا المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يُعقدُ سنوياً في منتجع ثلجي سويسري، يُلتهم هواؤه كـ«الآيس كريم». ثلاثة آلاف من نجوم الاقتصاد والسياسة والمصارف، وحتى السينما.. حضروه، وغاب عنه فرسان الأمل الثلاثة الكبار، الألمانية «ميركل» والروسي «بوتين»، والصيني «شي». والحاضرون «شهود تفسخ السلطة، وأيّ شيء أفضل من أشخاص السلطة». تردد هذا الرأي في مأدبة غداء في «دافوس» عُقدت بعنوان «نهاية التوافق السياسي»، وحضرها بعض مَن غاب عنها، خاصة الأميركي رونالد ترامب، والفرنسية مارين لوبن. ويأس الأمل في حديث عالم الاقتصاد الأميركي «جوزيف ستيغليتز» عن «الحركة الزلزالية للاقتصاد العالمي، فالاحتمالات معقولة في وقوع أمور أكثر جذرية، سببها الفورة المفرطة في سياسة «التيسير الكمي» للأموال لنفخ أسعار الموجودات، من دون عمل كافٍ لنفخ الاقتصاد الحقيقي. فأين ذهبت كل تلك السيول النقدية؟ يجيب «ستيغليتز» الحائز على «نوبل» بأن «بعضها ذهب إلى حساب الموازنات، ولم يتم إقراضها، لكن بعضها ذهب لزيادة أسعار الموجودات». بكلمات أخرى: ذهب إلى «خزائن» رأس المال المالي العالمي. ومن القائمين بين الأمل واليأس في «دافوس» كريستين لاغارد، مديرة «صندوق النقد الدولي»، التي تتوقع تحسن معدلات نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.4% خلال العام الحالي، لكنها تُقرُّ بوجود أربع مخاطر: في الصين تأثير انخفاض أسعار السلع على المنتجين، والوضع الضعيف لاقتصادات السوق الصاعدة (كروسيا والبرازيل)، واحتمال الخلل الذي قد يسببه رفع الاحتياطي الأميركي لمعدلات الفائدة، وأخيراً انهماك مصارف مركزية أخرى (بما في ذلك الأوروبي المركزي وبنك اليابان) في تقديم حوافز إضافية. ويضاحك اليأسُ الأملَ في «انهيارات الأسواق التي علينا التعامل معها كتحذيرات صحية»، حسب «الأوبرزفر»، التي ترى أن «الانهيارات قد تستبق الأحداث، لكنها ليست مقاييس معصومة من الخطأ». وتقتبس الصحيفة البريطانية القول الساخر لحامل «نوبل» في الاقتصاد «بول صامويلسن» بأن «أسواق الأسهم توقعت 9 من 5 نوبات ركود اقتصادي»! ويذهب مسؤولون في مصرف «جي مورغان» حدّ القول بأن الكثير من الأخبار السيئة قد تم تسعيرها في الأسواق، والتي نظرت مسبقاً وأدركت أن «وتائر النمو في الصين تظل عالية بالمقارنة مع كل مكان آخر، وأننا ما نزال نتعامل مع اقتصاد قد يتوسع خلال السنوات الخمس المقبلة إلى خمسة تريليونات دولار. لذا فالرسالة ليست مرعبة»، ومن يرعبه تضاعف حجم اقتصاد الصين ثلاث مرات خلال السنوات السبع الماضية؟ واليأس في قلب الأمل بموضوع «دافوس» الرئيسي لهذا العام، وعنوانه «الثورة الصناعية الرابعة». تقرير البنك السويسري «يو إس بي» يرى أن عواقب التقدم التكنولوجي في السنوات المقبلة ستفاقم اللامساواة عبر الكرة الأرضية، ويدعو «السياسيين إلى إيقاف هذا الاتجاه». وفي خطابه في «دافوس» ذهب بايدن، نائب الرئيس الأميركي حد التحذير من أن «الثورة الصناعية الرابعة يمكن أن تُدمر الطبقة المتوسطة». ولا يأس كأمل القضاء على «داعش»، والشهادة على ذلك في «دافوس» من الخطوط الأمامية. «شيريل ساندبيرغ»، رئيسة العمليات في «فيس بوك» ذكرت أن آثار الثورة الصناعية تَتخطى الأفراد إلى المستوى العالمي، فـ«التواصل الاجتماعي رغم جميع منافعه، جعل من السهل على المنظمة الإرهابية نشر رسائلها في الكراهية، وما إن تزيل إحداها حتى تنبثق أخرى». ونهاية اليأس والأمل في آن، تنبؤ خبراء العقل الاصطناعي «ترويعاً أكثر من المنظمة الإرهابية في الثورة الصناعية الرابعة، التي قد تؤدي يوماً ما إلى الإطاحة بالبشرية»!