يرجح أن تشهد الفترة المقبلة تفاعلات مثيرة للاهتمام في تعامل الحكومة المصرية مع جماعة «الإخوان المسلمين»، تتعلق بأساليب اختطاف «الجماعة» للدولة وتدمير المجتمع. ويرجح أيضاً أن تكون تلك التفاعلات هي بمنزلة «الجولة الأخيرة» في القضاء على هذا «السرطان» المتغلغل، حيث أكدت الوثائق التي نُشرت الأحد الماضي أن ثمة «خلايا إخوانية نائمة» في المؤسسات الحكومية تنتظر اللحظة المناسبة كي تنقض على الدولة، وغالباً كان التخطيط يستهدف أن يتم ذلك في الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير وربما في الذكرى القادمة لثورة 30 يونيو. طبعاً، الوثائق بقدر ما لخصت الأهداف الحقيقية لجماعة «الإخوان» منذ نشأتها في عام 1928، فإنها فضحت النوايا التي كانت تخبئها الجماعة خلال حكم «مرسي» للبلاد. وإلى جانب ذلك يمكن للمراقب ملاحظة أن الحكومة المصرية كانت تتجنب الاحتكاك المباشر مع المتعاطفين والخلايا النائمة مع أنها تدرك حجم خطورتهم، حيث درجت على اتباع سياسة غض الطرف في الكثير من المواقف محاولةً إعطاء الأولوية لسياسة التهدئة. ربما يكمن السبب وراء سياسة التهدئة في رغبة الحكومة وميلها إلى تقليص حجم الخلافات في المجتمع، أو ربما تعود إلى أن الظروف الاجتماعية التي كانت تعيشها البلاد في فترة ما قبل الثورة كانت سبباً في تعاطف البعض أو موالاتهم لجماعة «الإخوان»، ومن ثمَّ فقد أعطت فرصة لمن يريد أن يكون مواطناً صالحاً أن يعيد تفكيره، لكن المعلومات التي كشفتها الوثائق الأخيرة تؤكد أن مساعي العبث بالأمن القومي المصري من «الإخوان» لم تتوقف، وهذا ما تطلب حزماً في التعامل. واضح أن التوجه المصري الجديد سيكون مختلفاً هذه المرة، هكذا تبدو النية، فلم تعد تنفع استراتيجية التهدئة والاستكانة التي تم اتباعها مع «الإخوان». ويذكر التاريخ أنه في عهد جمال عبدالناصر ظن البعض أنه تم إنهاء جماعة «الإخوان»، حيث تم اعتقال بعضهم وإعدام بعض آخر، وهرب آخرون إلى خارج مصر، لكن وجود المتعاطفين معهم وبقاء ما يعرف بـ«الخلايا النائمة» جعلا من عودتهم حدثاً مفاجئاً، ليس في المجتمع وربما كانوا يفكرون في سيناريو مشابه هذه الأيام. لكن القضاء عليهم في هذه المرة لن يكون على مستوى الدولة فقط، وإنما أيضاً على مستوى المجتمع كذلك، خاصة أن التحليلات باتت تشير إلى احتمال تقارب مصري تركي، يتنازل فيه كل طرف عن بعض مواقفه تجاه الآخر، بحيث تخفف تركيا من دعمها لجماعة «الإخوان» في مقابل تغير الموقف المصري في الملف السوري. ولعل الأخطر في الموضوع أن صمت الأجهزة الحكومية عن الإجراءات الإدارية التي حدثت خلال السنة التي حكم فيها «الإخوان»، مثل تعيين بعضهم بغرض شراء ولائه، مع وجود خطاب سياسي رسمي يتحدث بلغة تصالحية، ربما أدى إلى التطاول على الدولة المصرية، لهذا فإن ظهور مؤشرات تنبئ باحتمال تحول الموضوع إلى أزمة قد تعود بالجميع إلى فترة ما قبل يونيو 2013، يعني أن هناك أيادي خبيثة لا تزال مؤثرة، كما يستدعي استبعاد أي تفسير ينطلق من حسن النوايا حول تصرفات ومواقف «الإخوان»، لذا فإن أفضل طريقة هي القضاء على الفتنة في مهدها قبل انتظار المواجهة التي يخطط لها «الإخوان» في لحظة مناسبة لهم. التفاعل المصري المنتظر ظهرت بعض ملامحه من خلال الوثائق بعد الإعلان عن نية الحكومة كشف الأسماء، وبالتالي القيام بحملة الاعتقالات، بل إن لغة الصرامة في الموقف السياسي بدأت تظهر من خلال التحليلات والتعليقات، ما يعني غلق الطريق أمام أي تعاطف معهم من خلال كشف خططهم بالوثائق للرأي العام، فالمسألة لم تعد مجرد تهديدات وصراخ، وإنما ثمة خطط واستراتيجيات قابلة للتنفيذ. إن فضائح «الإخوان» تتسرب مرة بعد أخرى إلى وسائل الإعلام، الأمر الذي يصدم الرأي العام من خلال اطلاعه على خفايا نواياهم السيئة للمجتمع، في المقابل هناك مواقف سياسية تؤكد أن مسك العصا من المنتصف لا يجدي مع هذه النوعية من الناس. ومع ذلك فهناك اعتقاد بأن المرحلة القادمة هي الأصعب في المواجهة مع «الإخوان»، وذلك لأكثر من سبب، إذ يتم البحث عن أشخاص غير واضحين، ولأن المرحلة الحالية هي مرحلة تنظيف للمجتمع نهائياً من هذا السرطان.. غير أنه من غير المتوقع أن تكون الحكومة المصرية متسامحة مع أي عنصر يمكن أن يزعزع الاستقرار، وإلا فسيكون ذلك خصماً من رصيدها الذي رسخته خلال الفترة الماضية.