في إطار الفعاليات العلمية النشطة والمثمرة لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، والتي يستضيف فيها رموز الفكر والثقافة من مختلف دول العالم، نظم المركز «الملتقى الأول للمفكرين العرب» يومي 17 و18 يناير 2016، في مقره بأبوظبي، بهدف دراسة أهم التحديات التي تواجه الأمة العربية في المجالات الدينية والفكرية، عبر عصف ذهني يجمع عدداً من المفكرين والعلماء العرب، وصولاً إلى بلورة تشخيص دقيق لأبرز هذه التحديات، ووضع الحلول المناسبة لمواجهتها وتجاوزها، وقد شملت محاور هذا اللقاء، مناقشة تحديات مثل: دور الثقافة في مواجهة التطرف، كيف نحصن مجتمعاتنا ونحمي شبابنا من الغلو والعنف، تجديد الخطاب الديني، تطوير التعليم الديني، ترسيخ مفهوم التسامح، تعزيز مفهوم «المواطنة» وتحصين مستقبل مستقبل الدولة الوطنية، مسؤولية العلماء والمفكرين والمؤسسات الدينية ومنظمات المجتمع المدني عن حماية الشباب من أمراض التطرف، العناية بالطفولة والنشء، تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في ضبط الخطاب الدعوي، تصحيح المفاهيم الدينية التي جرى تشويهها وتحريفها على أيدي الغلاة المتطرفين (مثل الجهاد، الولاء البراء، الحاكمية، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..). وكان للأوراق البحثية القيمة، المقدمة من قبل نخبة متميزة من كبار علماء الدين المعروفين بالوسطية والاعتدال، مساهمة بارز في تشخيص مواطن الخلل والتصور في مجمل الخطاب والعمل الدعوي والثقافي، ما ساعد المجتمعين على بلورة العديد من التوصيات البناءة التي من شأنها معالجة الاختلالات والانتقال إلى مستقبل آمن لمجتمعاتنا. كما كان الملتقى فرصة طيبة لعرض الخطط والإستراتيجيات الناجحة في مجالات: تحديث الخطاب الديني (خاصة خطب الجمعة)، وضبط العمل الخيري، وتطوير التعليم الديني، وإبراز الصورة الحضارية للمساجد وإبعادها عن الصراعات السياسية والمذهبية، وصيانتها عن اللغو والعبث السياسي والطائفي، وتفعيل دورها في تنمية الوعي الديني، وغرس قيم الاعتدال والتسامح، ووضع معايير دقيقة لاختيار الأئمة والخطباء وتطوير قدراتهم المعرفية وتمكينهم من التفاعل مع جمهور المصلين ومن التواصل مع بعضهم بعضاً عبر مشروع مبتكر، يطبق لأول مرة بنجاح في دولة الإمارات، هو مشروع «الإمام الجامع» الذي يشرف على عدد من المساجد المحيطة بمسجده، ويملك تسريع الخدمات الإدارية وتيسير المهام الشرعية ودعم المبادرات المجتمعية. وهناك تجارب ناجحة أخرى في بعض الدول العربية والإسلامية، طالب الحضور بتسليط الأضواء عليها وإبرازها بهدف تكامل الجهود ووجوب التنسيق بينها، ضماناً لفاعلية أكبر وتأثير أقوى، وأيضاً للإفادة من تجارب بعضنا وتفادي التكرار. لقد أجمع الحضور على أن أبرز وأخطر التحديات التي تواجهها الأمة، اليوم هي «ظاهرة التطرف والغلو» التي تخطف الشباب وتدمر المجتمعات وتقوض الأسس المدنية للدول الوطنية القائمة، كما اتفقوا على أن الحل هو «التحصين» الديني والثقافي للشباب عبر إستراتيجيات وطنية شاملة ومتكاملة، بدءاً بالبيت ومروراً بالعلماء والمفكرين وانتهاءً بمنظمات المجتمع المدني. يبقى التنويه بمحور مهم آخر تناوله المشاركون وهو أن تحديث الخطاب الديني المعاصر مسؤولية مشتركة بين علماء الدين والمثقفين، وهو ما دعا إليه «إعلان باريس لتجديد الخطاب الديني 2003». وكما قال وزير الأوقاف المصري فإنه إذا كان على المثقفين الإقلاع عن وصف العلماء بـ«التخلف»، فعلى العلماء الامتناع عن وصف المثقفين بالمروق والكفر. وهنا أشيد بورقة سماحة مفتي لبنان، والتي شدد فيها على ضرورة افتتاح مرحل جديدة يحل فيها التعاون بدلاً من التقاطع بين المثقفين والعلماء، وأشيد بموضوعيته كونه يمثل مؤسسة دينية عالية ويعترف بأن هناك «قصوراً وتقصيراً» من جانبها ويقرر بجرأة أن «علينا مراجعة كل التجربة السابقة ونقدها، والخروج بنمط جديد، والإعانة على وضع سياسات جديدة لتدبير الشأن الديني»، فمثل هذا النقد البنّاء هو الذي يصلح ويقوي عمل المؤسسات الدينية. وختاماً لابد من التنويه بالمبادرة وتوجيه الشكر لمدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية على تنظيم هذا اللقاء المتميز.