رغم أنهم لم يدعوا إليها، بل استهجنوا هذه الدعوة وقالوا «لا نعرف صاحبها»، ولم يشاركوا فيها إلا متأخرين، ثم كانوا أول من غادروها وتآمروا عليها وخانوها فإن جماعة "الإخوان" تصر على أن تقدم نفسها باعتبارها صاحبة ثورة 25 يناير، وها هي تستغل الذكرى الخامسة لها لتتخذ منها ستاراً يُخفي مساعيها الحقيقية للعودة إلى السلطة، بأي ثمن، حتى لو كان جثة كل الثوار، وكل شباب مصر من غير المنتمين للجماعة. ومع أن الثورة كانت سِلمية، ونادى شبابها في الشوارع وهم يواجهون قوات الأمن «سلمية.. سلمية»، فإن "الإخوان" ينخرطون في العنف والإرهاب، بعد تحالفهم الوثيق مع الجماعات والتنظيمات الإرهابية المحلية والإقليمية، ولعبهم دور حصان طروادة لمشروعات خارجية تستهدف أمن مصر وتماسكها الاجتماعي. وبذا يخون "الإخوان" الثورة مرة أخرى بحرفها عن وسائلها، بعد أن حرفوها عن أهدافها حين استغلوها في حيازة السلطة، وتنكروا لطليعتها المدنية وشوهوها، وتواطئوا على التنكيل بها من قبل الذين حكموا مصر بعد مبارك مباشرة. وهذا ليس بجديد على "الإخوان"، فهم طيلة تاريخهم كانوا على موعد مع خيانات متلاحقة ضد إرادة الشعب المصري في التغيير إلى الأفضل، فمؤسس الجماعة حسن البنا، وقف مع الملك فاروق ضد الحكومة غير مرة، وتعامل مع إسماعيل صدقي رئيس الوزراء وأيد موقفه ضد حزب "الوفد"، الممثل السياسي الحقيقي للأمة المصري، فحصل البنا بمقتضى هذا على إعانة من وزارة التربية والتعليم عام 1946 مكّنت الجماعة من بناء مدارس والحصول على كتب وقرطاسية مجانية، كما قامت الوزارة بدفع النفقات التعليمية والإدارية لهذه المدارس، وفتحت فروع لـ"الإخوان" في كافة المحافظات المصرية، بهدف التضييق على "الوفد" وتصفية مكتسبات ثورة 1919. وحكى أحمد حسين زعيم حزب "مصر الفتاة" في مرافعته القضائية عن أحد المتهمين في قضية مقتل رئيس وزراء مصر محمود فهمي النقراشي عام 1949، أن حامد جودة الوزير السعدي، في حكومة حسين سري 1941، قد حضر إلى المعتقل الذي حل فيه البنا وبعض "الإخوان"، واجتمع به لساعات، وبعدها أُفرج عنه وأتباعه، وتُرك بقية المعتقلين من الاتجاهات السياسية الأخرى، وذلك بغية مساندة "الإخوان" للسعديين، مقابل أن يتركوا له حرية الحركة والدعوة والانتشار، وغضت الحكومة الطرف عن مخالفة البنا للقانون في إنشائه نظام الجوالة، كما كانت المؤسسات الاجتماعية للإخوان كالمستشفيات والمدارس وجمعيات البر تنشأ تحت رعاية وزارة الشؤون الاجتماعية، التي كانت تمنحها الإعانات أيضاً، كما تمنح شعبة "الإخوان" الخمسمائة بعض المساعدات، خاصة عبر مجالس المديريات والبلديات. وعقب ثورة يوليو 1952 نسّق جمال عبد الناصر مع "الإخوان" في السيطرة على المجتمع، وأغروه بأنهم البديل الاجتماعي للأحزاب السياسية، ولذا أقدم على حلها مطمئنا، فأجهضت تجربة ديمقراطية مصرية عريقة، لكنه سرعان ما اصطدم بهم حين تصرفوا على أن الضباط الأحرار مجرد مجموعة عسكرية في الواجهة عليها أن تنفذ مشروع "الإخوان" وتمتثل له، وتسلم مقاليد الأمور في البلاد تدريجياً لقيادات "إخوانية". وحين أراد السادات محاصرة "اليسار" الذي اشتد عوده في زمن عبد الناصر وظّف التيار الديني المسيس في تحقيق هذا الهدف، وفتح له باب الجامعات والمؤسسات والنقابات ليتمدد فيها، وهو في مأمن من أي نقد أو تخوف من هذا المسلك الخطر، فما كانه منه إلا أن استفحل، وملك زمام المبادرة، ولم يعد طوع بنان السادات نفسه، بل اصطدم به ثم اغتاله في نهاية المطاف. وأدى تحالف "الإخوان" مع السادات إلى انهيار مكتسبات العدل الاجتماعي للقاعدة العريضة من المصريين بعد ثورة يوليو. وتحالف "الإخوان" مع نظام مبارك، فأطالوا عمره على حساب رغبة شعبية حقيقية في التغيير، حيث أبرموا اتفاقات وتفاهمات أمنية استغلوها في التمدد الاجتماعي نحو تمكين لمشروعهم الذي لا علاقة له بمشروع الثورة التي يزعمون الانتماء إليها، وبالتالي ها هم يلعبون من جديد دور المعوق لتطور مصر نحو دولة وطنية مدنية حديثة بشكل حقيقي وقاطع.