أوصت الجهات الحكومية والصحية النساء في أربع دول بأميركا اللاتينية والوسطى، هي كولومبيا، والإكوادور، والسلفادور، وجمايكا، بتأجيل حملهن، لبضعة شهور، وقرابة العامين في بعض الحالات. وفي الوقت نفسه، حذرت السلطات الصحية في الولايات المتحدة النساء الأميركيات الحوامل، من السفر إلى 20 دولة، غالبيتها في أميركا الوسطى والجنوبية، بالإضافة إلى بعض مناطق العالم الأخرى. وتأتي هذه التوصيات غير المسبوقة في أعقاب انتشار وباء من فيروس «الزيكا» (Zika Virus) في البرازيل، يشتبه في تسببه في إصابة الأطفال حديثي الولادة بتشوه خلقي، يتجسد في صغر حجم الجمجمة، نتيجة قصور نمو المخ بداخلها، وتولدت هذه الشبهات بعد اكتشاف إصابة أكثر من أربعة آلاف طفل بهذا التشوه الخلقي، في البرازيل وحدها، منذ شهر أكتوبر الماضي فقط، بالتزامن مع انتشار وباء من الإصابات بفيروس «الزيكا»، وذلك بعد أن كانت حالات الإصابة بهذا التشوه الخلقي لا تتخطى بضع مئات -150 حالة في 2014- خلال العام كله. وهو ما يعني أن عدد الحالات خلال الشهور الأربعة الماضية فقط، بلغ أكثر من 26 ضعف إجمالي الحالات خلال عام 2014 كله. ويعود اكتشاف فيروس «الزيكا» إلى عام 1947، في أوغندا بشرق أفريقيا، وخلال العقود السبعة الماضية كانت الأوبئة منه محدودة، ومقصورة على مناطق جغرافية ضيقة، في شرق أفريقيا، وجنوب شرق آسيا، وبعض جزر المحيط الهادي، مما يجعل الوباء الحالي غير مسبوق وهائل بجميع المقاييس، ويعتقد العلماء أن الفيروس انتقل إلى دول أميركا اللاتينية مؤخراً، وفي رأي البعض خلال مباريات كأس العالم لكرة القدم الأخيرة، بصحبة مشجعي المنتخبات الأفريقية. وينتقل هذا الفيروس من شخص إلى آخر من خلال لدغات أنثى نوع محدد من البعوض، تتغذى على الدماء البشرية حتى تتمكن من إنتاج البويضات والتكاثر، مثلها في ذلك مثل فيروس الحمى الصفراء، وحمى فيروس غرب النيل، وحمى «الدنجي» المعروفة بحمى تكسير العظام لما تسببه من آلام مبرحة في العظام والمفاصل. ونادراً ما يتسبب الفيروس في وفاة المصابين به، وحتى من يقعون ضحايا للعدوى عن طريق لدغات البعوض، لا تظهر أية أعراض أو علامات إلا على 20 في المئة فقط منهم، أي واحد فقط من كل خمسة مصابين. وتتشابه الأعراض –إن ظهرت- مع أعراض دور البرد أو الإنفلونزا، في شكل حمى بسيطة، واحمرار العينين، والصداع، وآلام المفاصل، وطفح جلدي، وتستمر هذه الأعراض من يومين إلى سبعة أيام، وفي ظل عمومية وضبابية الأعراض، يصبح تشخيص الإصابة بالفيروس صعباً، ولذا يعتمد التشخيص المؤكد على الاختبارات والفحوصات المعملية، ولا يوجد حالياً تطعيم فعال للوقاية من الإصابة، أو علاج ناجع في حالة العدوى، حيث يعتمد العلاج حالياً على الراحة وتناول السوائل فقط. أما إجراءات الوقائية فتتلخص في السبل المتبعة والمعروفة لتجنب التعرض للدغات البعوض، مثل استخدام رش السوائل الطاردة للحشرات على الجسم، ولبس ملابس بأكمام وأرجل طويلة، وإغلاق النوافذ والأبواب، واستخدام الناموسيات عند النوم، وبما أن البعوض يحتاج إلى مياه راكدة ليضع بيضه فيها، فلابد من تفعيل إجراءات مكافحة البعوض، المتمثلة في تجفيف تجمعات المياه الراكدة، واستخدام المبيدات الحشرية للقضاء عليه. وبالنظر إلى أن فيروس «الزيكا» لا يتسبب في وفيات، إلا في النادر، كما أن أعراضه لم تكن من الشدة والخطورة بمكان، لم يلق المجتمع الطبي الكثير من الاهتمام للتعرف أكثر على خواص الفيروس، أو محاولة البحث عن تطعيم أو علاج فعال ضده، ولكن في ظل الشكوك التي أثيرت أخيراً حول احتمال ارتباطه بصغر حجم المخ والجمجمة لدى الأطفال الذين ولدوا لأمهات أصبن بالفيروس أثناء الحمل، وتزايد عدد الوفيات بينهم، أو بقائهم على قيد الحياة بإعاقات عصبية وعقلية خطيرة، أصبح كثيرون يخشون أن تكون دول أميركا اللاتينية على شفا التعرض لتبعات صحية واقتصادية لفيروس آخر آتٍ من وسط أدغال أفريقيا، مشابهة للتبعات الصحية والاقتصادية التي تسبب فيها فيروس «الإيبولا» العام الماضي في دول غرب أفريقيا. ويرى كثيرون أيضاً أن التوصيات التي أصدرتها الجهات الحكومية والصحية للنساء خلال الأيام الماضية، بتأجيل الحمل لشهور أو ربما حتى سنين، هي إجراءات عديمة الجدوى، في ظل كون نصف حالات الحمل في دول أميركا اللاتينية، تحدث دون تخطيط مسبق من الوالدين. وحتى إذا ما اتبعت النساء هذه التوصيات، وتوقفن عن الإنجاب خلال هذه الفترة، فقد تكون لذلك في حد ذاته آثار اقتصادية واجتماعية سلبية بعيدة المدى على تلك الدول.