المعرفة هي باب الإنسان لإدراك ذاته، ولا يدرك الوجود بمفرداته إلا بإدراك الذات. وتبقى القراءة هي أهم الأشرعة التي يُبحر بها الإنسان في بحور المعرفة لتخطفه نتوءات الحروف، وتحلق به في فضاءات العقول العارفة ليتعلم ويدرك، ويعود لمرافئ ذاته مشبعاً بالمعرفة. ويبقى شغفه دافعاً للسفر دوماً لمدائن الكتب. والقراءة هي واحدة من المقاييس المهمة التي يقاس بها تقدم المجتمعات الإنسانية، فالمتحضرة منها تكون منفتحة على ثقافات العالم الأخرى بقراءة أفكارها وإرثها المعرفي من بين صفحات الكتب التي صاغتها عقول، أدركت فكتبت من منطلق تجاربها الذاتية إلا أننا ندرك ساعتها تلك القواسم المشتركة التي تجمع كل الثقافات الإنسانية، فكلنا شركاء في ذات إنسانية جامعة تتوحد فيها تلك القواعد الإنسانية الحاكمة لتكوين الفكر الإنساني ولكن تتنوع مخرجات إدراك مختَلف الحضارات لتلك القواعد. ليس ثمة حضارة إلا ولها إرثها المكتوب لتظل عجلة الإبداع المكتوب تدور في فلك العقول القارئة. ويبني الإنسان علاقاته بالثقافات المختلفة. وتلك التعاطيات المتبادلة هي صاحبة انعكاس إيجابي على تنمية الثقافة الخاصة، وخلق الجديد من الرؤى والأفكار، فقراءة الآخر تحمينا من الانكفاء على مخرجات الذات والوقوع في هوة التجمد والتآكل والانزواء. ولأننا في دولة الإمارات العربية المتحدة وبوعي من قيادتنا الرشيدة ندرك أن الانفتاح على ثقافات العالم هو الطريق لتعظيم معارفنا وإدراكنا ليكون ركيزة للحفاظ على المكتسبات الحضارية المتناسقة مع إرثنا الثقافي، فكان للقراءة قيمتها المتعاظمة في المجتمع الإماراتي. ومن هنا ومن رؤيته المدركة لتحديات المستقبل، أطلق صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله مبادرة عام 2016 عاما للقراءة، داعماً لخلق أجيال قارئة منفتحة على العالم لتبقى جذوة الحضارة والتطور متقدة في قلب الإمارات ومضيئة بالمعرفة.