أخبرني أحد الأكاديميين الإماراتيين أن المشرف عليه عام 1994 طلب منه أثناء دارسته في الخارج كتابة تقرير عن الفرق بين السُنة والشيعة في الخليج، فلما سلمه الدراسة المطلوبة سأله بكل صراحة عن أهمية هذا الموضوع، فكان جوابه بكل شفافية إن ورقة الطائفية سيتم استثمارها في المنطقة، وستغير مجريات الأمور. قال صديقي أخبرت زملاء الدراسة من الخليجيين حول هذا القول، ضحك الجميع بل سخر الكثير من هذا التصور. مرت الأيام وإذا ب«حزب الله» يعلو شأنه في لبنان، ويبرزه الإعلام العربي للأسف الشديد، والغربي ، كحدث تاريخي، ويتحول رموزه إلى قامات في عالم البطولات، ضمن سلسلة من المسرحيات بين الحزب والكيان الإسرائيلي، وخدع في هذا التاريخ ليس عامة الناس، بل حتى نَفَر من المفكرين والمثقفين، لكن الواقع قال لنا بلسان الحال إن أفضل من حمى إسرائيل في الجنوب كان «حزب الله» كما فعل أشياعهم في الشام، وزالت عن الناس هذه الغشاوة عندما أسهم «حزب الله» في سحق انتفاضة أهل الشام، فحاصر القرى، وقتل الأبرياء لأنه خادم تحت الرايات السوداء. الوضع تكررت طقوسه في العراق، فعمليات التصفية تتم وفق المعتقد والهوية، فهناك حرب أضحت جلية بين أنصار الفرس، وغيرهم من السُنة وشيعة العرب، لأن الحرب المذهبية التي تشنها فارس لا تفرق بين السُني والشيعي من حيث المذهب بل محكها الولاء ل«قم» أو معاداة توجهاتها، وكانت النتيجة في هذا العام مذابح تتم قرباناً لإيران وتوجهاتها في هذا المكان، فقد أصدرت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان تقريراً يوضح تأثير النزاع الدائر في العراق على المدنيين، حيث قتل ما لا يقل عن 18802 مدنياً وأصيب 36245 آخرين في المدة الممتدة من 1 يناير 2014 إلى 31 أكتوبر 2015، بينما اضطر 3.2 مليون شخصاً للنزوح داخليا منذ يناير2014 بمن فيهم ما يزيد على المليون طفل في عمر الالتحاق بالمدارس. السيناريو يتكرر للأسف الشديد في يمن الحكماء عندما أطفأت حكمتهم ظلمات عمائمهم، ففي التاريخ المعاصر لم يكن يعرف في اليمن الفرق بين الشوافع والزيدية، كلهم يصلون في نفس المساجد، وبينهم علاقات المصاهرة والمجاورة التي أرست مؤشرات السلم الأهلي، كما كان الشأن في العراق، فلما خطفت إيران بعض رموزهم وتم تجنيدهم فكرياً ضد مجتمعاتهم كان ما نرى من لوحة دامية، تمزق القلوب حسرة على ضحايا ليس لهم شأن في هذا المنزلق الآسن. نفس المنحى كان يُراد بمملكة البحرين الحبيبة، هذا البلد الآمن الذي كان أهله وما زالوا مثلا يُحتذى في الكرم والأخلاق والحكمة، فمن قديم الزمان كانت البحرين محطة لتنوع الفكر والأفكار، لكنه كان تنوع قوة ومصدر نماء لهذه الحضارة. لم يكن أهل البحرين يتحزبون مذهبياً أو فكرياً، ولم تكن البحرين ميناء للطائفية، حتى خطفت إيران عقول بعض الشبان، وكان ما كان. ولولا تحالف النبلاء وهبة الأشقاء، لكانت البحرين اليوم في معركة الولاء للأعداء والبراء من الانتماء. المشاهد المتكررة في لبنان والشام والعراق واليمن والبحرين توكد لنا أن ورقة الطائفية الفكرية تم استثمارها عبر أجهزة ذكية جيشت شيعة إيران ومن حالفهم، واستثمرت عاطفة بعض شباب السُنة في حرب نحن ضحاياها، ومن يصطلي بنيرانها، أن الحرب ضد «داعش» ومن نحا نحوها أو تبنى فكرها، لن تخبو نيرانها عبر المنظومة العسكرية فقط، نحن بحاجة إلى حراك فكري يحل معادلة المذهبية والتيارات الفكرية المتصارعة من شيعة العرب وسنتهم، ويحرر رهائن الفكر من غفلتهم قبل أن نصطلي بنيرانهم.