في الأيام القليلة الماضية أجريت مقابلات مع رؤساء إقليميين لثلاث مؤسسات دولية كبيرة في أميركا اللاتينية تتابع النشاط الاقتصادي للمنطقة، والمسؤولون الثلاثة هم المدير الإقليمي لصندوق النقد الدولي والمدير الإقليمي للبنك الدولي ومديرة اللجنة الاقتصادية لأميركا اللاتينية والكاريبي التابعة للأمم المتحدة. وصرح ثلاثتهم بأنه من المتوقع ألا تحقق أميركا اللاتينية أي نمو اقتصادي عام 2016، وستكون هذه خامس سنة على التوالي بدون تحقيق نمو في المنطقة. واتفقوا أيضاً على أن أداء أميركا الجنوبية إجمالاً سيكون سيئاً هذا العام بينما أداء أميركا الوسطى والمكسيك سيكون أفضل نوعاً ما. وبينما تعاني أكبر اقتصاديات أميركا الجنوبية بسبب اعتمادها على تصدير السلع الأولية إلى الصين التي يتباطأ أداء اقتصادها، تستفيد أميركا الوسطى والمكسيك من علاقاتها الوثيقة بالولايات المتحدة التي من المتوقع أن يتحسن اقتصادها. وتوقعات عدم تحقيق نمو في أميركا اللاتينية عام 2016 تثير القلق لأن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وأيضاً اللجنة الاقتصادية لأميركا اللاتينية والكاريبي التابعة للأمم المتحدة تميل عادة للمبالغة في تفاؤلها بشأن التوقعات السنوية للمنطقة، وأقر «أوجستو دي لا تور» المدير الإقليمي للبنك الدولي أن هذه المؤسسات توقعت تعافياً إقليمياً لم يحدث منذ عام 2012. وبالنسبة للبرازيل، أكبر اقتصاد في أميركا الجنوبية هناك إجماع بين الخبراء الاقتصاديين الإقليميين الثلاثة أن الاقتصاد سيتقلص بين اثنين و2.5 في المئة عام 2016 بعد تقلص يقرب من أربعة في المئة عام 2015، واعتماد البرازيل على صادرات السلع الأولية إلى الصين، ناهيك عن فضائح الفساد التي تهدد بتوجيه الاتهام بعدم الأهلية للمنصب للرئيسة «ديلما روسيف» تسببت في ركود اقتصادي كبير، وأشار الخبراء الثلاثة إلى أن فنزويلا التي انهار اقتصادها ما بين سبعة و10 في المئة العام الماضي سيتقلص اقتصادها بنسبة مماثلة هذا العام، ويؤكد «أليخاندرو ويرنر» المسؤول الإقليمي في صندوق النقد الدولي أن التضخم في فنزويلا وصل رقماً قياسياً عالمياً مسجلاً 270 في المئة عام 2015، وقد يواصل ارتفاعه، وتصدَّر التوقعات السنوية الرسمية في الأيام المقبلة، وقد تعلن أن معدل التضخم في فنزويلا تجاوز 500 في المئة. أما بالنسبة للأرجنتين، اتفق الخبراء الدوليون الثلاثة على أن الرئيس الجديد «موريسيو ماكري» ورث بلداً مصاباً بالشلل الاقتصادي، ولن يحقق نمواً إلا ما بين 0.5 وواحد في المئة من النمو عام 2016، لكنهم أشادوا بالإجراءات الاقتصادية المبكرة التي اتخذها ماكري وعبروا عن تفاؤلهم بمستقبل البلاد، وأشاروا إلى أن الإجراءات الاقتصادية التي اتخذها «ماكري» قد تعيد الثقة في النشاط الاقتصادي وتجتذب استثمارات، وهو ما قد يضخ دماء جديدة في الاقتصاد بحلول نهاية 2016، وبداية 2017. وبالنسبة للمكسيك توقع الخبراء الاقتصاديون الإقليميون نمواً اقتصادياً صحياً نسبياً يتراوح بين 2.6 وثلاثة في المئة هذا العام بفضل النمو في الاقتصاد الأميركي، وأكدت «أليشيا بارسينا» مديرة اللجنة الاقتصادية لأميركا اللاتينية والكاريبي التابعة للأمم المتحدة أن المكسيك تبلي بلاء حسناً نظراً لمناخ الكساد. أما كاتب هذه السطور، فيرى أنه بعد خمس سنوات متتالية من توقعات بطء النمو الاقتصادي في أنحاء كثيرة من أميركا اللاتينية والأزمة الاقتصادية الواضحة في بعض الدول، مثل فنزويلا والبرازيل، يجب اتخاذ إجراءات صارمة لتنويع الصادرات. ويجب على كل دول أميركا الجنوبية المصدرة للمواد الخام أن تنص دساتيرها على إنشاء «صناديق تعويض العائدات» مثل تلك التي في تشيلي والنرويج لادخار نسبة من دخل الصادرات في سنوات الازدهار بغرض تغطية كلفة شبكات التأمين الاجتماعي في السنوات العجاف، والأهم من هذا، أن على هذه الدول أن تركز على الابتكار وإنتاج المزيد من الصادرات ذات القيمة المضافة والمتقدمة تكنولوجياً، وهي السلع التي يكون لها في ظل اقتصاد المعرفة الحالي قيمة أكبر بكثير من المواد الخام، وكثير من المواد المصنعة، (ولتأخذوا في الاعتبار فقط شركة أوبر وهي عبارة عن برنامج على الهواتف المحمولة يقدم خدمات النقل، ولا يمتلك أي سيارة، لكن قيمتها السوقية تبلغ 60 مليار دولار، أي أكثر من قيمة شركة جنرال موتورز، التي تنتج أكثر من عشرة ملايين سيارة في العام)، وإذا لم توسع أميركا اللاتينية، وخاصة أميركا الجنوبية سلة صادراتها سنواجه سنوات أخرى كثيرة من التوقعات الاقتصادية المنخفضة. ـ ـ ـ ــ ـ ـ ـ أندريس أوبنهايمر صحفي أرجنتيني متخصص في شؤون أميركا اللاتينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفيس»