ليس غريباً على نتنياهو أن يخرج منذ أسابيع في مؤتمر صحفي يقارن فيه بين الإرهاب اليهودي والإرهاب العربي ليزين صورة الأول أمام العالم! ذلك أن نتنياهو قاد أنصاره من أتباع الصهيونية التنقيحية المتطرفة، ومن أتباع الصهيونية الدينية، عام 1995 في تظاهرة تحريض ضد رئيس وزرائه إسحاق رابين أدت إلى اغتياله عقاباً له على فتح طريق السلام مع الفلسطينيين، وعمل على توقيف اتفاقات أوسلو. إن نتنياهو يتخذ سياسات ضد الشعب الفلسطيني تزرع اليأس من حل الدولتين في قلوب الشباب الفلسطيني وتدفعه دفعاً إلى أعمال المقاومة الشعبية ضد قوات الاحتلال والمستوطنين في الضفة الغربية. وبعد ذلك يقوم بوصم هذه المقاومة للاحتلال بكونها إرهاباً! ولو تغاضينا عن التضليل في هذا الاستخدام لوصف المقاومة المشروعة للاحتلال في المواثيق الدولية بـ«الإرهاب» وتماشينا مع نتنياهو لانتهينا من تحليل الواقع إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي هو المنتج الأول لما يسميه «الإرهاب العربي» فضلاً عن كونه المحرض الأول على الإرهاب اليهودي. ومنذ يومين فقط أصدرت حركة «السلام الآن» الإسرائيلية بياناً يحذر من قرارٍ قيد الإعداد في كواليس الحكومة لمصادرة ألف وخمسمائة دونم في غور الأردن جنوب أريحا. ولم يصدر تكذيب رسمي بل جاء تأكيد الخبر من جانب السلطات الحكومية ممثلة في مكتب تابع لوزارة الدفاع يتولى تنسيق أعمال سلطات الاحتلال في الضفة. وليست هذه هي المرة الأخيرة في العام الماضي عندما نهب تحت اسم المصادرة أربعة آلاف دونم في جنوب بيت لحم بالقرب من تجمع مستوطنات يطلق عليه «جوش عتسيون». ولن نصف نحن معنى هذه السياسات الاستعمارية فقد أغنتنا حركة «السلام الآن» عن ذلك عندما اعتبرت قرار نتنياهو بمثابة خطوة جديدة ضمن خطواته العديدة لتدمير حل الدولتين عن طريق الضم التدريجي للمنطقة «جيم» في الضفة الغربية التي تخضع كلياً لسلطة الاحتلال. وهذه السياسات التي تبدد حلم السلام هي البوتقة التي ينتج فيها نتنياهو مشاعر اليأس والإحباط التي تجثم على صدور الشباب الفلسطيني فتدفعه إلى أعمال المقاومة بالحجارة حيناً وسكاكين المطابخ حيناً آخر. وهذا هو التوصيف الصحيح لما يسميه نتنياهو «الإرهاب العربي» ويدينه ثم يعلي عليه الإرهاب اليهودي ويزينه بالقول إن الإرهاب اليهودي يحدث بحجم قليل في حين أن وتيرة «الإرهاب العربي» متكررة بدون انقطاع. لا أعرف كيف لا يخجل نتنياهو من هذا الخلل في المنطق وهو الذي يتباهى بكونه خريجًا لإحدى أهم الجامعات الأميركية، ولكن يبدو أنه قد عود نفسه على تقاليد «الحوتسباه» الإسرائيلية التي يرصدها علماء الاجتماع الإسرائيليون باعتبارها تقاليد لمزيج من الوقاحة والعجرفة والصلافة. إننا نطالب حركة «السلام الآن» بأن تصدر بياناً للعالم تحلل فيه الأسباب الفعلية لنشأة ظاهرة الإرهاب اليهودي على أرض فلسطين وتبين المفاهيم التي تبثها أجهزة التطرف الفكري اليهودي في إطار تيار الصهيونية التنقيحية لمؤسسها الإرهابي فلاديمير جابوتنسكي وأتباعه منفذي مذبحة دير ياسين في عام 1948 ضد المدنيين العرب العزل، وتيار الصهيونية الدينية التي أنتجت حركة «جوش أمونيم». إن هذين التيارين في الصهيونية والفكر الإسرائيلي المعاصر هما المنتجان لمقولة «العربي الطيب هو العربي الميت»! ومقولة ضم الضفة الغربية لإسرائيل ومقولة «بين النهر والبحر لا مكان إلا لدولة واحدة هي إسرائيل»! وهما المنتجان بالتالي لحفل العرس اليهودي الذي يحتفل فيه المستوطنون بطعن صورة الرضيع الفلسطيني علي الدوابشة الذي تعرض بدنه للحرق من جانبهم. نريد فهماً يهودياً صحيحاً لمعاناة الشعب الفلسطيني يقضي على الإرهاب أياً كان مصدره. ------------ أستاذ الدراسات العبرية- جامعة عين شمس