قررت الهند وباكستان هذا الأسبوع تأجيل المحادثات بين كبار الدبلوماسيين في البلدين، وأشارتا إلى أن هناك حاجة لمزيد من الوقت لإجراء تحقيقات بشأن الهجوم الذي وقع الأسبوع الماضي على قاعدة قوات جوية بحرية من قبل إرهابيين مقيمين في باكستان. وأظهرت هذه الخطوة أن كلا الطرفين حريصان على الاستمرار في محادثات السلام، ولا يريدان أن تعرقل هذه الهجمات هذا الفصل الجديد من العلاقات الهندية الباكستانية، وقد ظل مستشار الأمن القومي الهندي «أجيت دوفال» على اتصال مع نظيره الباكستاني «ناصر خان جانجوا»، جنرال متقاعد في الجيش، والذي يعد جزءاً من المؤسسة العسكرية الباكستانية التي تقرر في نهاية المطاف سياسة باكستان بشأن الهند، وبالمثل، فإن وزيري خارجية البلدين تحدثاً هاتفياً في إشارة إلى استمرار الاتصالات على أعلى مستوى خلال الأزمة، وأنهما يريدان المضي قدماً في عملية المحادثات، ويستحق هذا العزم من كلا الجانبين الثناء لأنهما لم يسمحا للإرهابيين بإملاء الأجندة وإلغاء المباحثات. يذكر أنه في الثاني من يناير، دخل ستة إرهابيين باكستانيين قاعدة تابعة للسلاح الجوي الهندي في «باثانكوت» بولاية بنجاب، القريبة من الحدود الباكستانية، في محاولة لاستهداف أصول هندية مثل الطائرات المقاتلة وطائرات الهليكوبتر العسكرية، ورغم أن أياً من هذه الأصول أصابه الضرر، فإن سبعة أفراد من السلاح الجوي الهندي لقوا مصرعهم في عملية استمرت يومين لطرد الإرهابيين الست، وقامت الهند بتوزيع «دليل عملي» يتضمن أرقام الهواتف التي استخدمها الإرهابيون، وقالت إن استمرار عملية السلام التي بدأت حديثاً يعتمد على الإجراء، الذي ستتخذه باكستان ضد هؤلاء الذين خططوا لهذه الهجمات، وألقت الهند باللوم على «منظمة جيش محمد»، وهي جماعة إرهابية مقرها باكستان، والتي اتهم زعيمها «مسعود أظهر» بالقيام بهجوم على البرلمان الهندي عام 2001. ولكن في علامة على الاهتمام على جانبي الحدود بحماية عملية السلام الجديدة، تحركت إسلام آباد سريعاً، خلافاً لما حدث في مناسبات سابقة، لاعتقال العديد من أعضاء «جيش محمد»، وتشير تقارير إلى أن «مسعود أظهر»، الذي كان بين الإرهابيين الذين أطلقت الهند سراحهم خلال عملية خطف طائرة هندية عام 1999، قد تم وضعه في الحبس الوقائي. وقد شكل «مسعود أظهر» منظمة «جيش محمد» بعد الإفراج عنه من السجن الهندي مع مسلحين آخرين في مقابل إطلاق سراح ركاب رحلة الخطوط الجوية الهندية، ورغم أن الجماعة تم حظرها من قبل باكستان عام 2002، فإنها استطاعت أن تظل نشطة في عدد من المناطق، من بينها الجانب الباكستاني من كشمير. ومن جانبها، رحبت الهند بالإجراءات الفورية التي اتخذتها الحكومة الباكستانية، وقالت إنها راضية عن التقدم الكبير الذي أحرزته التحقيقات على الجانب الباكستاني، كما رحبت الهند بفريق التحقيقات الخاص الذي شكله رئيس الوزراء الباكستاني للخوض في تفاصيل الجريمة، وفي حين أن التعاون بين الهند وباكستان يعد علامة جيدة، إلا أن إدارة العلاقات بين الدولتين ما زالت تمثل تحدياً كبيراً، فنزاع كشمير الذي لم يتم حله بين الدولتين ما زال مصدراً دائماً للتوتر على طول الحدود، حيث على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار؛ لا يزال الجانبان في كثير من الأحيان يتبادلان إطلاق النار. وتزعم الهند أن ولاية كشمير بأكملها هي جزء من أراضيها، كما هو الحال مع باكستان، وكل المحاولات السابقة لحل هذه القضية العالقة من خلال الحوار قد تعطلت، إما بسبب إطلاق النار عبر الحدود أو بسبب وقوع هجوم إرهابي في الهند. وفي 2008، خرجت عملية السلام عن مسارها عقب الهجمات الإرهابية التي وقعت في مومباي، حيث شن مسلحو «عسكر طيبة» هجوماً على عدة مواقع في العاصمة المالية للبلاد، ما أسفر عن مقتل 164 شخصاً، وفي حين أن باكستان عملت حتى الآن بجد، إلا أن الاختبار يتمثل في ما إذا كانت «إسلام آباد» ستواصل اتخاذ إجراءات حاسمة ضد «جيش محمد». وعلى كلا الجانبين، تبدو القيادة العليا بوضوح أنها أدركت أن الابتعاد عن المحادثات ليس على الإطلاق في مصلحة البلدين. في الهند، يرى رئيس الوزراء «ناريدنرا مودي» أنه بعد أن أخذ زمام مبادرة سياسية كبيرة، من الواضح أن هناك دافعاً لعدم إلغاء المحادثات على الرغم من قوع هجوم إرهابي. وفي باكستان، يدرك رئيس الوزراء نواز شريف أن الهجوم كان يهدف بوضوح إلى عرقلة المحادثات، لذلك، فإن قرار حكومته بإلقاء القبض على مسلحي «جيش محمد» يهدف إلى إنقاذ محادثات السلام التي بدأت حديثاً، وحتى الآن، فإن الهند وباكستان تتمسكان بمسارهما. د. ذِكْرُ الرحمن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي