كان السياسي الديمقراطي الأميركي الراحل «ماريو كومو» حاكم ولاية نيويورك السابق يستهويه القول «أنت تشن حملتك شعراً لكنك تحكم نثراً». ولم يتجل مثل هذا التناقض الشديد مع أحد آخر إلا نادراً مثلما يتجلى في الرئيس باراك أوباما، خاصة في خطابه الأخير عن «حالة الاتحاد». وفي السنوات القليلة الماضية كان هناك لحظات قليلة لتألق خطاب أوباما والكثير من النثر الحكومي. وهذا تناقض صارخ لسياسي ظهر في المشهد القومي باعتباره خطيباً مفوهاً بدأ بكلمة تذكارية في مؤتمر الحزب الديمقراطي عام 2004. وأعلن المشرع الشاب عن ولاية إيلينوي حينها ثم المرشح لمجلس الشيوخ فيما بعد أن «الخبراء يروقهم تقطيع بلادنا وتقسيمها إلى ولايات حمراء وولايات زرقاء... ولايات حمراء للجمهوريين وولايات زرقاء للديمقراطيين». وكانت هناك لحظات قوية في مسعى أوباما للفوز بالرئاسة فقد كان مرشحا يثير الطموح بشكل أكبر بكثير من منافسيه، أكثر من هيلاري كلينتون وجون ماكين اللذين انتقدا أوباما بأنه ربما يكون شكلاً أكثر منه مضموناً. لكن هذا لم يعد انتقاداً مهماً حتى من المنتقدين الذين لا يروقهم المضمون. وتؤكد «جينيفر ميرسيكا» الأستاذ في جامعة تكساس المتخصصة في تاريخ الخطاب الرئاسي الأميركي أن «الحملات تكسب بالخطب البليغة... عملية الحكم تستلزم نهجا به مضمون وجوهر أكبر». ووعد البيت الأبيض بتقديم خطاب ل«حالة الاتحاد» ذي فحوى وليس قائمة اعتيادية بالمقترحات التشريعية. وذكر معاونون أن الرئيس سيركز على التحديات والفرص الرئيسة التي تواجه أميركا. ورغم الموهبة الخطابية لدى أوباما، تفتقر خطبه الرئاسية إلى العبارات التذكارية التي تميزت بها خطب أسلافه مثل جون كيندي ورونالد ريجان. وحتى أنصاره حثوه على أن يتحدث بمزيد من الحماس العاطفي. وأشار أوباما إلى أنه يندم على ضياع «بعض ذاك الإحساس من التحدث مباشرة إلى الشعب الأميركي عما تمثله قيمهم الأساسية». ومن المؤكد أن هناك لحظات من البلاغة الملهمة. وحدث هذا في الآونة الأخيرة أثناء الاحتفال بالذكرى السنوية الخمسين للمسيرات المطالبة بالحقوق المدنية في «سيلما» بولاية ألاباما وفي تأبينه في يونيو الماضي للقس الأسود «كليمنتا بينكيني» في ولاية «ساوث كارولاينا»، الذي قتل في كنيسته على يد رجل أبيض، وردد حينها أغنية «المجد الرائع». ألبرت هانت* محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»