لسوء الحظ الدراسات التي خرجت حول تنظيم «داعش» لا زالت غير رصينة كما ينبغي، والنتائج المتمخضة عنها جاءت سطحية لا تفي بأغراض مكافحة هذا التنظيم الوحشي، وفي كثير من الحالات هي نتائج مضللة لأن الظاهرة «الداعشية» ذاتها صعبة التعريف، ومقولات الأوصاف التي أطلقت على التنظيم فيما يتعلق بأصوله وكيفية نشأته ووسائله في تجنيد أفراده من الشباب المقاتلين في شتى مناطق العالم، ومصادر تمويله، وأهدافه وخططه وبرامجه واستراتيجياته وتكتيكاته ووسائل ممارسته للإرهاب المنظم، جميعها غامضة ويصعب تحديدها وتعريفها بدقة، وذلك بغض النظر عن الجهود المضنية التي تم بذلها حتى الآن من قبل العديد من الدارسين والمحللين الغربيين، واقتراح سبل القضاء عليه، وقياس النتائج التي تم تحقيقها عن طريق الوسائل الأمنية والعسكرية التي استخدمت حتى الآن. تشير الدلائل والنتائج المتوفرة إلى أن «داعش» هو امتداد لحركة التطرف الإرهابي العالمي من خلال أيديولوجيته ونظرته إلى عالمية الإسلام وإقامة الدولة الإسلامية، التي يمكن من خلالها بسط نفوذه وهيمنته على هذا العالم عن طريق استخدام الإرهاب والقوة المفرطة، وهي دون شك نظرة طوباوية حالمة لا يمكن تحقيقها بأية صورة كانت. ورغم هذه النظرة الموغلة في أضغاث الأحلام، فإن ما يمكننا قوله عن نشأة هذا التنظيم العبثي الأولي، هو أن أصوله الاجتماعية متجذِّرة في محتوى عراقي محدد، بالإضافة إلى ما تمت إضافته إلى تلك الأصول الاجتماعية من مسحة سورية من خلال محاولة النظام السوري الاستفادة من وجود «داعش» لخلط الأوراق السورية منذ بداية ظهور القلاقل السياسية والأمنية أمامه عام 2011. وعليه، فإن ولادة التنظيم بالقوة التي برز بها في أول أيام شهرته جاءت من تحالف غير مفهوم بين التنظيم الذي قاده «أبو مصعب الزرقاوي» كنسخة من «القاعدة» في العراق، وبين نظام «البعث» البائد، وما تبقى من فلول الجيش العراقي الذي سرحته الولايات المتحدة، والتي يقودها ويمولها نائب الرئيس العراقي السابق عزت الدوري، وهو تحالف غريب تمخض عنه تنظيم ممارساته البشعة أقرب ما تكون خيالاً منها حقيقة. وفي تقديري أن الظاهرة «الداعشية»، إن هي سوى أحد الأعراض الجانبية السطحية لسياسات المنطقة العربية وجوارها الجغرافي المهزوزة، وللاهتراء وعدم الشرعية التي تلم بالعديد من دولها وبالمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة فيها هذا، بالإضافة إلى الحروب وعدم الاستقرار والفوضى التي تلم بكل من سوريا، والعراق، وتركيا، وإيران، وأفغانستان، وباكستان. هذه الأوضاع غير المستقرة في دول المنطقة خلقت فراغات منبئة بالخطر، لأن التنظيمات الإرهابية والمتطرفة كـ«داعش»، و«القاعدة»، و«حزب الله»، و«الحوثيين»، هي التي قفزت إلى الواجهة لكي تملأ الفراغات السياسية المرتبطة بعدم شرعية السلطة في عدد من الدول آخذين بعين الاعتبار أن «داعش» في العراق وسوريا هو أخطر هذه التنظيمات الإرهابية على الإطلاق. وأخيراً، فإن ما نعتقده هو أن الظاهرة «الداعشية» لن تستمر طويلاً، وسيتم القضاء عليها عاجلاً أم آجلاً بعد أن عان هذا التنظيم فساداً في الأرض وسفك الكثير من دماء الأبرياء. إن منبع طرحنا المتيقن هذا من أن «داعش» سيزول من على وجه الأرض يعود إلى أنه كتنظيم إرهابي ليس له جذور فكرية راسخة أو حقيقية يقوم عليها، فهو ليس سوى تحالف بين فلول نظامين أحدهما زال منذ مدة وإلى غير رجعة، والآخر في طريقه إلى زوال، هذا بالإضافة إلى أن «داعش» كتنظيم إرهابي ووحشي لم يقم على أفكار صلبة أو نظرية حقيقية راسخة، أو فكر ذي تراث أيديولوجي صلب، بمعنى أنه تنظيم يفتقر كثيراً إلى الأفكار التي تجعل منه حركة اجتماعية - سياسية راسخة تترك وراءها تراثاً يضمن استمراريتها، وهي تنظيم قام مستفيداً من البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المضربة التي وجدت، وبزوال تلك البيئة سيزول «داعش» ويختفي من على وجه الأرض العربية. ـ ــ ـ ـ ـ ــ د. عبدالله جمعة الحاج