كنا نأمل أن يسهم لقاء الوزيرين لافروف وكيري في زيورخ يوم الأربعاء الماضي 20/1/2016 بدفع عملية المفاوضات المرتقبة في جنيف، ولكن تصريحات الوزير الروسي تنبئ بتعطيل هذه المفاوضات ودخولها في طريق مسدود، والمفجع أن روسيا التي تقصف المدنيين السوريين بشكل يومي يطال المناطق المأهولة بالسكان هي إحدى الدول الراعية للحل السياسي، وقد كشفت أنها تريد من هذا الحل أن يضمن انتصاراً للنظام على شعبه، وأن تؤدي مفاوضات جنيف إلى منح النظام شرعية جديدة. لقد بدا إصرار لافروف على منع المعارضة السورية من حق اختيار وفدها المفاوض، استخفافاً بخيارات الشعب السوري، وتحيزاً علنياً للنظام عبر حرص روسيا على تفصيل وفد مفاوض على قياس مطالب النظام، وضامن بأن يتحقق من مفاوضات جنيف بقاء رموز النظام على رأس حكومة موسعة بدل الحكومة الانتقالية. وروسيا تصر على هذا التدخل مع أن قرار مجلس الأمن 2254 الذي تستند إليه المفاوضات المرتقبة يؤكد على كون السوريين وحدهم هم من يقررون مستقبلهم. أما ما أشار إليه القرار حين تحدث عن لمسات أخيرة يضعها «ديمستورا»، فهو مجرد لمسات لوجستية، وقد فهم «ديمستورا» هذا الأمر جيداً حين هنأنا في الرياض بما تم إنجازه في الهيئة العليا للمفاوضات، وأكد أنه لن يتدخل في تشكيل وفد المعارضة، وأذكر أنه قال حرفياً، إن هذا هو امتيازكم. كما أن روسيا التي تحدث وزيرها في لقائه مع كيري عن اهتمامها بالبعد الإنساني هي المسؤولة المباشرة عن الحصار القاتل الذي تتعرض له عدة مناطق سورية يموت فيها الناس جوعاً، وتأتي مسؤولية روسيا من كونها هي الآن صاحبة القرار في شأن النظام السوري والوصية عليه. وقد استغربنا أن يفهم أحد مطالبتنا بتنفيذ استحقاقات مرحلة ما قبل التفاوض التي حددها قرار مجلس الأمن، ولاسيما في البنود 12 و13 و14 على أنها شروط مسبقة، مع أن هذه الالتزامات الدولية هي من صلب قرار مجلس الأمن كما أنها من صلب بيان جنيف الذي يعتبر المرجعية الأساسية للحل السياسي. وروسيا هي إحدى الدول التي صاغت القرار، وهذه البنود منطقية لأنها تعبر عن ضرورة البدء بمرحلة حسن النوايا لضمان نجاح المفاوضات التي لا يمكن أن تدخل في موضوعاتها الرئيسة دون إنهاء الحصار والبدء بإطلاق سراح المعتقلين، والوقف الفوري لإطلاق النار والبدء بإجراءات بناء الثقة بالعملية التفاوضية ذاتها. ولقد عبرنا في الهيئة العليا للمفاوضات عن إصرارنا على نجاح المفاوضات وليس على مجرد انعقادها، ونحن نخشى عبر هذه الضغوط على المعارضة أن تهمل القضية الرئيسة التي تعقد المفاوضات من أجلها وهي تشكيل حكومة انتقالية، بينما تغرق أجندة التفاوض بتفاصيل مرحلة النوايا الحسنة. لقد طالبنا بفصل المسار الإنساني عن المسار السياسي، وطالبنا بجدول أعمال واضح لسير جلسات المفاوضات، وأوضحنا أننا لا نقبل أن يتدخل أحد في تشكيل وفد المعارضة الذي سمته الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر جنيف الذي جاء بتكليف من المجموعة الدولية الداعمة ومن بينها روسيا، وكذلك لا نقبل بوجود وفد ثالث حتى ولو كان في غرفة بعيدة. وأما القول بأن مؤتمر الرياض لم يمثل كل أطياف المعارضة فيدحضه وجود تسع وعشرين شخصية ممن حضروا مؤتمر القاهرة، ونحو تسعة أشخاص حضروا مؤتمر موسكو، وأعضاء هذين المؤتمرين هم من ذات مكونات مؤتمر الرياض، فهم من الائتلاف ومن هيئة التنسيق ومن المستقلين. وأما الإصرار على اتهام بعض الفصائل المشاركة في مؤتمر الرياض بأنها فصائل إرهابية، فهو مجرد تعطيل لمسيرة المفاوضات، لأن من يختار الحل السياسي ويقبل بالانتقال من دولة أمنية استبدادية إلى دولة ديمقراطية تنهي احتكار السلطة لا يمكن أن يتهم بالإرهاب، وقد وقعت الفصائل العسكرية المشاركة كلها على وثيقة الرياض التي أيدتها الدول الداعمة، ونرجو أن تسهم هذه الدول الشقيقة والصديقة في دفع روسيا إلى الاقتراب من مطالب الشعب السوري والتوقف عن قصفه، وإذا كانت روسيا تبحث عن مصالحها، فإن القوة العسكرية لا تحقق هذه المصالح، وإنما تحققها الإرادة المشتركة بين الشعوب.