منذ بدء «الربيع العربي» المزعوم، وقد طال خريفه إلى هذه الساعة، ولا نتمنى أن يصاب بخرفه أحد من العالمين، وبعض المتربصين بالخليج ودوله شراً، يدرسون ويمكرون ويحتالون ويضربون أخماساً بأسداس حول عدم امتداد هذا «الربيع» المقلوب إلى هذه المنطقة الآمنة والمستقرة من عالم العرب. وقد دست هذه الجهات سم التيارات المتطرفة في هذه البقعة المحفوظة أولاً من رب العزة، ومن ثم من التدابير الرشيدة لحكوماتها عند التعامل مع المتغيرات العالمية أو الإقليمية والمحلية. أما الإكسير الرئيسي لبقاء الخليج بعيداً عن مؤثرات «الربيع» المهدور دمه في الدول التي ابتليت به، هو في الشرعية المهمة التي منحتها إياها شعوبها التي رأت بكل ثقة بأن التفافها القوي حول قياداتها وحكامها في هذا الوقت العصيب هو أكبر حصانة لاستمرار الربيع الحقيقي فيها. وهذا ما جعل الجماعات والتنظيمات والحركات التي أرادت أن تعتاش على ذلك «الربيع» الخاوي من أي مسحة اخضرار للأوطان، أن تصطاد في مائه العكر، وغرسه الفاسد، وثماره المرة بكل المقاييس البيئية والسياسية. وجاءت حرب اليمن المغدورة من قبل رئيسها السابق صالح ومعاونيه الهدامين من «الحوثيين» والإيرانيين والمرتزقة الذين تشبعوا بسموم الغدر والخيانة بكل أنواعها، كي تثبت للمتربصين بالخليج سوءاً، بأن هذا التحالف سيبقى دليلاً قاطعاً على استمرار شعوب هذه الدول في دعم قيادتها الشرعية منذ قرون وليس الآن، وهو وقت عصيب، إلا أنه في الوقت نفسه عصي على فتح أي ثغرة في حصن وقلعة هذا التلاحم المتين بين الحكام وشعوبها الذين أصبحوا على أتم الاستعداد للتضحية بأثمن ما يملكون للحفاظ على أوطانهم بعيدة عن كل من يريد بيع الوطن بدراهم زهيدة بلا أدنى حياء ولا استحياء، من ردع الدين أو القيم أو العادات والتقاليد لا القبلية ولا القوانين الدولية، ومن تجرد من هذا شأنه ليس لديه ضمير، سواء كان مجهولاً أو غائباً، وقد تم قتله في مخدعه. فأعين الجبناء اليوم على هذا الخليج الواحة التي يراد من قبل كائنات لا تمت إلى البشر بصلة إنسانية أن تزرع حقدها وضغائنها وأمراضها السلوكية والنفسية فيها لحاجة لم يستطع أحد من هؤلاء قضاءها، لأن اللُّحمة البينية النقية والفطرية بين حكام وشعوب هذه المنطقة لم تمسها يد اللاعبين بالنار حتى إذا أحرقت أصابعهم، فقد سلَّم الله الخليج وأهله من شر مستطير وشرر كما أصاب السيلان في بلدان ما سُمي بـ«الربيع» زوراً وبهتاناً. ما الذي يجعل هذه اللُّحمة تزداد قوة وبنيانها رسوخاً في جذور هذه المنطقة، وعمقاً غائراً في نفوس الشعوب، التي أبت الرضوخ لبريق «الربيع» الخادع، بعد أن تلاشت في الأفق وتركت الأرض التي تربع عليها كالعصف المأكول. إنها الحقيقة السياسية التي تستمد من الواقع المعاش دليلاً قاطعاً على أن مصير الحكام والشعوب في الخليج لن ينفصل، لأن الصيغة الشرعية للحكام اعتمدت على العقد الاجتماعي الذي ظل يرافق هذه المجتمعات الخيّرة طوال سنوات النشأة والانطلاق نحو العالمية، وهناك عامل موحد ومتفق عليه بين شعوب الخليج وحكامها وقياداتها الرشيدة، يتمثل في أن الخليج هو «مولد الإسلام» وموطنه الحقيقي، هذا الإسلام الذي يُراد اليوم التغرير به وبيد عناصر تزعم لنفسها حق التحدث عنه، فقد جاء الوقت المناسب ليكون الخليج هو موطن تصدير هذا الإسلام الحق والمعتدل إلى العالم أجمع، بعيداً عن مراكز الإرهاب والترهيب والرعب والإرعاب والتطرف، وهذا ما يضعنا أمام مسؤولية عالمية للدفاع عن هذا الإسلام، الذي يراد عمداً تشويه صورته الناصعة ونهجه الرشيد تجاه كل قضايا العالم الأعم. من هنا يجب الالتفاف حول هذا الدين الحنيف والسمح في جميع مبادئه ومعانيه لضرب كل «غربان» التطرف باعتدال الإسلام، كما أنزله رب العدالة السماوية وأحكامه الأرضية العادلة، فالربيع الحقيقي سوف يصدر ثماره الناضجة من هنا أرض العطاء المفتوح بلا قيود والانفتاح على الآخر بلا خوف أو تردد، فحري بنا في الخليج أن نفخر بذلك، ونزيد هذه اللُّحمة الخليجية بين القيادات البصيرة والشعوب النيرة قوة ورسوخاً وعمقاً حتى يتحول إلى عقد للوفاء حول أعناقنا، وعَقْد دائم لا يقيده تاريخ أو زمن للانتهاء حتى نفنى جميعاً في ثناياه، ونحن نرفع علم الولاء والوفاء والانتماء عالياً.