هل الإعلام الغربي حر في واقع الأمر؟ ولماذا الحملة الإعلامية المشتعلة ضد المسلمين، والتي تصورهم أحياناً كأنهم كائنات لا تنتمي إلى عالم البشر؟ ولماذا يتركز اهتمام المسلمين على الصورة السلبية عنهم دون الصورة الإيجابية التي قد ترد هنا أو هناك في بعض وسائل الإعلام الغربية؟ أسئلة يثيرها ويحاول الإجابة عليها الباحث وخبير الإعلام والترجمة، محمد أحمد محمد علي، في كتابه «الإعلام الغربي والإسلام.. إشكاليات الحرية والمسؤولية والصورة النمطية»، والذي ينطلق فيه من فرضية مفادها أن الإعلام الغربي متحيز ضد المسلمين ولديه صورة نمطية سلبية صارت تحكم سلوكه نحوهم، صورة غرست في ذهن المتلقي (الغربي) منذ زمن بعيد، فأصبح لا يرى من المسلمين والعرب إلا ما يرشح له من تلك الصورة. يقدم المؤلف مادة كتابه في سبعة فصول تتوزع على قسمين رئيسيين، أولهما عن «الإعلام الغربي.. إشكاليات الحرية والمسؤولية والتحيز»، وفيه يتناول حرية التعبير (حدودها وأهميتها وتطورها)، كما يتطرق للمسؤولية الخلقية المرتبطة بحرية الإعلام، قبل أن يتطرق إلى «قيم ومبادئ مهمة للإعلامي»، ثم إلى «حرية التعبير في الإعلام الغربي بين الدعاية والواقع». أما القسم الثاني من الكتاب فجاء بعنوان «الصورة تصنع الخوف: من البطريك صفرونيس حتى البابا بنديكتوس»، وفيه يلقي الضوء على «الأساطير المؤسسة للصورة النمطية ودور الفكر والإعلام في بناء هذه الصورة»، كما «يتناول الاستبداد الشرقي كنموذج للصورة النمطية»، ثم «صورة الغرب عند العرب والمسلمين». غير أن تلك الصور النمطية المتبادلة لم تنشأ من فراغ، وإنما تشكلت عبر العصور، وهنا يشير المؤلف إلى أن المسلمين منذ غزوات «دومة الجندل» (السنة الخامسة للهجرة) وما تلاها من حروب خلال عهد الصحابة مع الروم، وجدوا أنفسهم أمام دولة بيزنطة كبيرة تريد القضاء عليهم. ثم جاءت الحروب الصليبية وحروب «الاسترداد» (استرداد الأندلس من المسلمين)، وتلتها حروب الاستعمار الحديث، ثم حروب التدخلات الأخرى، مثل حرب التدخل الروسي في أفغانستان، والتدخل الأميركي لطرده من هناك، ثم التدخل الأميركي في الصومال وأفغانستان والعراق، وما رافق ذلك (وسبقه وأعقبه) من عنف الجماعات المتشددة.. كل ذلك أدى إلى تشكل صورة نمطية سلبية لدى العرب والمسلمين. أما من جانب الغرب، كما يوضح الكتاب، فقد أدى الحصار الذي فرضه المسلمون على القسطنطينية عدة مرات خلال الفترة بين عامي 49 و100هـ، ثم فتحها لاحقاً سنة 857هـ، وما سبق ذلك من فتح للمالك البيزنطية في مصر والشام وشمال أفريقيا.. إلى تشكيل صورة المحمديين أو «السراسين» (نسبة إلى سارة زوج إبراهيم)، بصفتهم العدو الأخطر والأكثر شيطانية. وبعد الحروب الصليبية وسقوط القسطنطينية أصبح الآخر بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية هو الإسلام وحده. وتلاحقت الأحداث وجاء غزو الدولة العثمانية للغرب وحصارها فيينا مرتين، ثم حروب العرب مع إسرائيل والدعاية الصهيونية التي جعلت اليهود هم الضحية والعرب هم المعتدين، ثم أحداث 11 سبتمبر الإرهابية وما تلاها من أعمال عنف وإرهاب في مدن غربية وإسلامية، ورد الفعل الأميركي متمثلا في غزو كل من أفغانستان والعراق. كل تلك الأحداث، يقول المؤلف، عززت صورة نمطية هي في الواقع استمرار للصورة السابقة، لكنها تعديل لها وفق الأحوال والسياقات المختلفة. والآن صار المسلمون «إرهابيين» و«مفجري قنابل» و«انتحاريين» و«فاشيين» و«مستبدين» و«مضطهِدين» للمرأة وللأقليات في بلدانهم.. وصار الإعلام الغربي يروج هذه الصورة ويكرسها، ليكتمل رسم صورة نمطية مستمرة ودائمة للمسلمين منذ العصور الوسطى وحتى اليوم. محمد ولد المنى الكتاب: الإعلام الغربي والإسلام المؤلف: محمد أحمد محمد علي الناشر: مركز سلطان بن زائد للثقافة والإعلام تاريخ النشر: 2015