لعلّ أبلغ عبارة جاءت في التعليق على المذبحة التي قامت بها عصابة «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، جاء على لسان والدة أحد ضحايا مذبحة الفندق والمقهى في وغادوغو عاصمة بوركينا فاسو، إذ قالت تلك السيدة الكندية لمندوبي الإعلام خلال لقائهم معها في كوبيك: «إن الضحايا الأبرياء قد ذهبوا لذلك المكان البعيد جداً عن كندا، مدفوعين بالرغبة المخلصة في فعل الخير من أجل الأهالي وأطفالهم.. فاغتالهم أشرار لا يحبون الخير.. إنها جريمة لا هدف لها سوى ترويع الآخرين الذين يرغبون في التطوع والسفر لأفريقيا لفعل الخير.. والخاسر دائماً هو الإنسان الأفريقي الفقير والمحتاج». عندما يستعيد المرء صور المذبحة التي قام بها أولئك الأشرار في بوركينا فاسو، الجمعة الماضي، والتي قتل فيها 30 شخصاً (بينهم 19 أجنبياً) وأكثر من خمسين جريحاً، إثر هجوم غادر على الفندق الرئيسي الذي يؤمه الزوار الأجانب في وغادوغو والمقهى الأشهر فيها أيضاً، والذي استمر لأكثر من اثني عشرة ساعة واستدعى تدخل القوات الفرنسية الموجودة هناك إلى جانب القوات البوركانيبية.. عندما يفكر المرء في هذا الحادث وغيره من جرائم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، والتي أكثر ضحاياها من المدنيين المسالمين من أهل البلاد وضيوفهم من الأجانب، تتملكه الحيرة ويعجز عن الوصول إلى إجابة على السؤال: ماذا يستفيد تنظيم «القاعدة» من ذلك؟ وأي هدف «معقول» يحققه من وراء ارتكاب هذه الجرائم البشعة سوى تشويه صورة الإسلام والمسلمين، ليس فقط في نظر غير المسلمين، بل في نظر جمهور المسلمين أيضاً؟ لقد أصبحت كندا عامة وكوبك خاصة يوم السبت الحزين على أنباء الفاجعة المؤلمة، وعرف الناس في الساعات الأولى أن من بين ضحايا الهجوم الذي نفذه المتطرفون الإسلاميون ستة مواطنين كنديين، أغلبهم ذهبوا ضمن مشروع تطوعي أهلي إلى ذلك البلد البعيد عن كندا، لإصلاح وإقامة مدارس للأطفال في القرى النائية.. وكانوا يتأهبون للعودة إلى كندا، فأقام لهم زملاؤهم حفل وداعٍ متواضعاً في الفندق، وفجأة هجمت مجموعة مسلحة فحاصرت مداخل الفندق ونفذت مجزرتها البشعة بحق الأبرياء فيه. وخلال إنهاء الحصار قتل بعض الإرهابيين وأُلقي القبض على آخرين. وأصدر رئيس حكومة كندا ورئيس حكومة كوبيك بيانين بالإدانة والاستنكار، وأعلنت أوتاوا أنها بعثت بفريق أمني لمساعدة بوركينا فاسو في التحقيق والتحري. وفي كندا أيضاً كانت ردة الفعل الشعبي ضد هذه الجريمة واسعة ودعت منظمات وأحزاب معارضة وحكومية رئيس الحكومة لاتخاذ موقف كندي أقوى وأوسع ضد الإرهابيين من «القاعدة» و«داعش» وللالتزام القوي بالحرب ضد الإرهاب، ليس في سوريا والعراق فحسب، بل في كل مكان من الشرق الأوسط وأفريقيا. هذا الضغط الشعبي سيتزايد ويرتفع وسيدفع حكومة كندا الحالية لإعادة النظر في موقفها «المايع»، وسيقوي الدعوة إلى أن تلعب كندا دوراً أكثر صلابة في الحملة العالمية على الإرهاب. إن كثيرين منا نحن الكتاب العرب يقولون عند الحديث عن هذا النبت الشيطاني المسمى «القاعدة» و«داعش»، إنهم ليسوا من أصحاب نظرية المؤامرة.. لكن ما يفعله هؤلاء الإرهابيون في بلادنا وبأمتنا يدفع المرء للتساؤل حول ما إذا كانت ثمة «مؤامرة» علينا.. على حاضرنا ومستقبلنا.. لكن ما هي يا ترى؟!