يؤكد علم الصراع على أهمية مراحله وأدوات كل مرحلة. والحقيقة أن الخلاف في الخليج العربي بين السعودية وإيران خلاف ممتد، لكنه وصل مرحلة الأزمة مع بداية العام الجاري، وتذرع إيران بإعدام رجل الدين الشيعي السعودي «نمر النمر». ويتم تعريف الأزمة بأنها تصعيد للصراع يتم بضغط الوقت، بمعنى أن كل طرف يشعر بأن عليه القيام بسلوك معين في عجالة، من الفعل إلى رد الفعل. حتى أجهزة الإعلام (المحلية والأجنبية) تشعر بعامل ضغط الوقت هذا، لأنها تلهث وراء الخبر وتحاول أن تكون السباقة إلى نشره وإذاعته. وبسبب ضيق الوقت في مرحلة الأزمة وتواتر سرعة الأحداث، فالخطر الأكبر بالنسبة لمقرر السياسة هو أن يقع ضحية الانفعال، وألا تقوم قراراته -خاصة طويلة المدى (أي القرارات الاستراتيجية)- على حسابات دقيقة. رد الفعل من طهران على الإعدامات لم يكن مفهوماً، إذ تناست أن 46 من المعدومين هم من السنّة، وركزت على الشيعي الوحيد بينهم «نمر النمر»، وبذلك حاولت تصوير وتسويق الصراع على أنه مذهبي، أي سنة ضد شيعة! ولأنها أعدمت أكثر من 700 شخص العام الماضي، فقد تجاهلت مبدأ حكم الإعدام الذي تعارضه معظم الدول الغربية، وقامت بتسويق الناحية المذهبية، وللأسف فإن بعض أجهزة الإعلام العربية وقعت في نفس الفخ، لذلك وجب التصحيح وتأكيد أساس الخلاف أو الصراع. 1- الصراع مع إيران صراع جيوسياسي أكثر منه مذهبياً، ويجب أن يكون جيوسياسياً بالفعل، فاحتلالها للجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) كان في عهد الشاه وكان عدواناً جيوسياسياً، والاستمرارية في السلوك الإيراني معروفة. 2- التوسع الإيراني في العالم العربي، من سوريا إلى اليمن، مروراً بلبنان والعراق، هو توسع جيوسياسي، رغم التنسيق مع «حزب الله»، ورغم الغطاء المذهبي المعلن. 3- التأكيد على الناحية المذهبية لا يؤدي فقط إلى تقسيم العالم الإسلامي، بل تقسيم الكثير من المجتمعات الإسلامية نفسها والتفرقة بين مواطنيها داخل الوطن الواحد، وبالتالي إضعاف حكوماتها، أي يعني الوقوع في فخ تخطيط طهران. 4- الوقوع في فخ سيطرة العنصر المذهبي يُؤدي إلى ديمومة الصراع وتصعيده، بدلاً من التخطيط للسيطرة عليه وإدارته طبقاً لحسابات دقيقة، فمثلاً لا يمكن أن نتوقع أن تُصبح إيران سنية أو السعودية شيعية، لذلك فإن استخدام المنطق الجيوسياسي يسمح لدول الخليج بوضع مؤشرات محددة للتوسع الإيراني والمطالبة بوقفه، ثم متابعة هذه الخطوات، وبالتالي تقييم تطور الموقف طبقاً لمؤشرات محددة على الأرض. 5- توضيح الهدف الجيوسياسي يسمح للرياض، ومعها عواصم الخليج الأخرى، بضمان الحشد الدولي، فالكثير من الدول الأجنبية لا تقدر ولا تفهم الخلافات المذهبية بين السنة والشيعة، إذ تعيدها إلى أعماق تاريخها، خاصة الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت في نهاية العصور الوسطى. وعلى العكس من ذلك، فإن توضيح الهدف الجيوسياسي من التوسع الإيراني سيُدعم الأرضية المشتركة بين الخليج ومعظم دول العالم، إذ يخلق لغة واحدة يفهمها الجميع. من الطبيعي أن تصر طهران على أهمية العنصر المذهبي، بل وتقوم بتسويق الصراع والأزمة أساساً من هذه الناحية، ففي هذه الحالة تُصور نفسها على أنها ومن يتشيعون لها ليسوا إلا الضحية، كما تضمن في الداخل التأييد الكامل بين كل الأجنحة المختلفة، ويتم التوسع على الأرض، بينما الآخرون في مناقشات نظرية أو حتى فقهية عن أصول ودعائم كل مذهب، في حين أن الظرف -ناهيك عن الأزمة بوقتها الضيق والمتسارع- لا تسمح بأية متاهات بعيداً عن الأساسيات.