قررت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رفع العقوبات التي فُرضت على إيران بسبب برنامجها النووي بعد أن اعتبرا أنها أوفت بالتزاماتها وأنجزت الخطوات المطلوبة بموجب الاتفاق النووي مع القوى العالمية الست في يوليو الماضي، وقد كان هذا التطور متوقعاً لأنه لم يكن من المنطقي أن تراوغ إيران في الوفاء بالتزاماتها بعد التوصل إلى الاتفاق على أساس أن هذا الوفاء سوف يتيح لها مكاسب واسعة هي في مسيس الحاجة إليها للخروج من وضع اقتصادي صعب وعزلة سياسية ولو نسبية لأن رفع العقوبات يعني إنهاء تجميد أصول تقدر بمليارات الدولارات والسماح ببيع النفط الإيراني في السوق العالمية، ومع ذلك فإن العقوبات بسبب الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان وصنع الصواريخ طويلة المدى ستبقى. يعنيني في كل ما سبق دلالته بالنسبة للعرب وأمنهم، فإيران صاحبة مشروع للهيمنة الإقليمية، وهي بالتأكيد ترى في الأرض العربية مجالاً حيوياً لها أسهل من مناطحة تركيا أو إسرائيل، وتجليات هذا المشروع بالغة الوضوح في سوريا ولبنان والعراق واليمن بصفة خاصة ناهيك عن إصرارها على احتلال الجزر الإماراتية ومطالباتها المتكررة السخيفة بالبحرين وتحريضها السافر على السعودية. ومن المؤكد أن رفع العقوبات بغض النظر عن اتساقه مع خطوات تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني - الغربي سيعطي إيران قوة دفع في المضي قدماً لاستكمال مشروعها، ويتحفظ البعض على هذا التوقع بأن رفع العقوبات على العكس سيجعل إيران أكثر التزاماً بالمعايير الدولية، وعلى رأسها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وهو تحفظ يدل على عدم فهم لطبيعة السياسة الإيرانية، كما يتحفظ آخرون من مدخل آخر، وهو أن رفع العقوبات سيعزز موقف الرئيس الإصلاحي حسن روحاني بما يجعل السياسة الخارجية الإيرانية تتسم بالاعتدال على نحو يخفف من غلواء مشروعها للهيمنة الإقليمية، وهو تحفظ يعكس بدوره عدم إلمام دقيق بموازين القوى في النظام الإيراني، فليس هناك ما يضمن بأي حال ألا تصب موارد القوة الإيرانية الجديدة المترتبة على رفع العقوبات في كفة المتشددين داخل النظام الإيراني. يعنيني أيضاً في قرار رفع العقوبات أنه مؤشر جديد على تراجع الأهمية النسبية للدول العربية في السياسة الأميركية فهي معنية هنا بمصالحها الكونية دون أن تكون حريصة على المصالح العربية حتى ولو كانت هذه المصالح تتعلق بدول صديقة لها، والمهم بالنسبة لها أن تكون إيران دولة منضبطة نووياً، وليس بالضرورة أن تكون منضبطة بمعايير الحفاظ على الاستقرار الإقليمي وعدم التدخل في شؤون جيرانها، ولا أحد يلوم الولايات المتحدة بطبيعة الحال على هذا السلوك، إذ إن من حقها أن تبني سياساتها على ما تتصور أنه يحقق مصالحها، غير أنه من حقنا بالتأكيد أن نستخلص نتائج هذه السياسات ذات الصلة بمصالحنا خاصة أن الولايات المتحدة لعبت دوراً مهماً بالغفلة أو بسوء النية في تفاقم النفوذ الإيراني في العراق بعد غزوه في 2003 من خلال نظام المحاصصة الطائفية البغيض وإذكاء الفتنة الطائفية، والنتيجة الأهم التي تعنينا الآن بكل تأكيد هي أنه آن الأوان لأن نحسم نهائياً مسألة موقع الولايات المتحدة من حماية مصالح العرب وأمنهم القومي. ومن البديهي أن هذه في الأصل والأساس مهمة عربية غير أن اعتقاداً ساد لدى البعض أحياناً بأن تقاطع المصالح مع الولايات المتحدة يمكن أن يكون آلية مناسبة لدعم تلك المصالح وذلك الأمن، والآن يتضح تماماً أن مثل هذه الآلية لا يمكن أن يعول عليها خاصة في زمن التركيز الأميركي على التوجه الآسيوي، بل إن أحد السيناريوهات المحتملة هو أن تستجيب الإدارة الأميركية ولو جزئياً للضغوط الإسرائيلية الرامية إلى زيادة المساعدات الدفاعية بواقع خمسة مليارات دولار سنوياً لمواجهة زيادة التهديد الإيراني بعد رفع العقوبات لتفادي المزيد من ضغوط اللوبي الصهيوني، وهكذا يكون العرب قد دفعوا ثمن رفع العقوبات مرتين. ومن هنا المغزى الحقيقي لعمليات التحالف العربي في اليمن، لأنني أعتقد أن إيران بغض النظر عن أن هذه العمليات لم تصل إلى نتيجتها الحاسمة بعد، ستتردد كثيراً بعد ذلك قبل أن تقدم على خطوة جديدة على طريق تنفيذ مشروعها للهيمنة الإقليمية.