تتمتع إيران بتاريخ عريق في الدبلوماسية إذ تأسست أول وزارة للخارجية لديها عام 1821 وتولى الوزارة حينها «ميرزا عبدالوهاب خان»، وهذا يعني ببساطة أن إيران لديها ممارسة قديمة في الأنشطة الدبلوماسية حتى ما قبل اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية التي تم إعلانها والتوقيع عليها في عام 1961. وتؤطر هذه الاتفاقية العلاقات الدبلوماسية بين الدول وتنص على الحقوق الواجبة للبعثات الدبلوماسية والتي يجب أن يمارس أعضاؤها مهامهم في الدول المستضيفة بلا خوف أو ممارسات عدائية نحوهم أو نحو عائلاتهم ومقار عملهم وإقامتهم. والتوصيف القانوني لذلك الوضع هو «الحصانة الدبلوماسية»، والتي وقع عليها واعترف بها 190 دولة حتى عام 2014 من بينهم إيران بالطبع. وعضو السلك الدبلوماسي يقوم ببساطة بمهمتين أساسيتين هما حماية رعايا دولته ومصالحهم، وتطوير العلاقات الثنائية بين دولته والدولة المستضيفة في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياسية والعسكرية وغيرها. وتتضمن اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 79 مادة من أبرزهم المادة رقم 31 والتي تنص صراحة على حظر قيام الدولة المستضيفة بأي أنشطة تستهدف الدخول لمقر السفارة ومبانيها وعلى ضرورة حماية تلك المباني ومحتوياتها من أي تخريب أو ضرر. والإنسان هنا يفترض إيمان إيران القوي بالقوانين والمبادئ الدبلوماسية الدولية على اعتبار أنها مارستها قبل تأسيس اتفاقية فيينا بمائة وأربعين عاما، ولكن الباحث في انتهاكات الدول للقوانين والمبادئ الدبلوماسية يجد إيران في مقدمة تلك الدول بلا منازع، وبسجل حافل من الانتهاكات يأتي على قمتها ثلاث حوادث شهيرة. ففي عام 1979، والذي شهد قيام الثورة في إيران وتأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، قامت جماعة الطلبة المسلمين التابعين لنهج الإمام الخميني في إيران باحتجاز ما يزيد على 60 رهينة أميركية يضمون دبلوماسيين ورعايا في السفارة الأميركية في طهران لمدة 444 يوما من الرابع من شهر نوفمبر 1979 وحتى العشرين من شهر يناير 1981. وقد تولى وزارة الخارجية خلال تلك الأزمة أربعة وزراء هم إبراهيم يزدي (12 أبريل 1979 إلى 12 نوفمبر 1979)، وعبدالحسن بني صدر (12 نوفمبر 1979وحتى 29 نوفمبر 1979)، ثم صادق غوتبزاده (29 نوفمبر وحتى 3 أغسطس 1980) وأخيرا محمد كريم خودباناهي (3 أغسطس وحتى 11 مارس 1981). وقد نجحت إيران بذلك العمل في تأسيس أول الأعمال الإرهابية في تاريخ الدبلوماسية المعاصرة ضد رعايا أجانب أبرياء. ولكنها ما لبثت أن هرعت لإبرام اتفاقية مع الولايات المتحدة الأميركية بوساطة جزائرية لإطلاق سراح الرهائن، وذلك بعد نشوب الحرب العراقية – الإيرانية. وفي عام 2010 نشرت وسائل الإعلام الغربية أنباء عن قيام دبلوماسيين إيرانيين يعملون في سفارة بلادهم في فرنسا بعمليات نصب واحتيال نتج عنها تحويل ما يزيد عن 600 ألف يورو من حساب السفارة لحساباتهم الشخصية. ولم تشأ إيران أن يبدأ العام 2016 بسلام بل افتعلت أزمة مع المملكة العربية السعودية الشقيقة نتيجة قيام الأخيرة بممارسة حق من حقوق سيادتها الوطنية على رعاياها الخارجين عن القانون والذين هددوا الأمن الوطني ليس للسعودية فقط بل لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية كافة. وقام مئات الإيرانيين بالتظاهر أمام السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مدينة مشهد ثم قاموا وأمام عناصر الأمن الإيراني بالهجوم على المقرين الدبلوماسيين اللذين يتمتعان بالحصانة الدبلوماسية وأضرموا فيهما النيران وأنزلوا العلم السعودي وألحقوا أضراراً جسيمة بالممتلكات ومحتويات السفارة والقنصلية، وبهذا العمل الإرهابي، تضع إيران بنجاح بصمتها في سجل انتهاكات القوانين الدبلوماسية والسؤال هنا: هل تستحق إيران ثقة العالم فيما يتعلق بحقوق الدبلوماسيين وحصانتهم؟ وهل بحق يستطيع هؤلاء الرعايا الأجانب العيش في أمن وأمان مع أفراد عائلاتهم الأبرياء؟