في آخر خطاب له حول حالة الاتحاد، عاد الرئيس أوباما إلى التفاؤل الذي جسده في أول حملة له، لكنه طبقه فقط على الولايات المتحدة. أما بالنسبة لبقية العالم، فقد كان أوباما متشائماً، بل حتى قدرياً، حتى لو كانت الطريقة الوحيدة التي يمكن بها معالجة فشله في سوريا، والكارثة الإنسانية الكبيرة هناك، هي إقناع نفسه بأن الفشل كان لا مفر منه وأنه سيتكرر مرات عديدة. وفي هذا السياق، ذكر أوباما أن «الشرق الأوسط سيمر بتحول يستمر لجيل، وأنه متأصل في صراعات تعود لآلاف السنين». وأضاف أن «عدم الاستقرار سيستمر لعقود في الشرق الأوسط وأفغانستان وأجزاء من باكستان وأميركا الوسطى وأفريقيا وآسيا». لماذا يطلب الرئيس من الأميركيين افتراض أن مشاكل أميركا الوسطى، مثلا، حتمية ومستعصية الحل؟ من بين الدول السبع الصغيرة في المنطقة، هناك دول مثل كوستاريكا شهدت استقراراً تحسد عليه لعقود من الزمان. وهناك دول أخرى لديها مشكلات، مثل عنف العصابات في السلفادور، والفساد واليسارية الزائفة والاستبداد الذي تغذيه فنزويلا في نيكاراجوا. لكن المكسيك، مع مزيد من التحديات الراسخة، انتقلت خلال 20 عاماً من حالة كانت تبدو ميئوساً منها إلى أمة في الطبقة الدنيا من الطبقة المتوسطة تتصارع مع مشاكلها التي لا تزال خطيرة عن طريق الديمقراطية والتعددية الحزبية. فلماذا نفترض أن السلفادور أو هندوراس لا يمكنها تحقيق مثل هذا المسار؟ وإذا كان أوباما يريد التفكير فيما سيحدث خلال عقود، فلماذا لا يفكر في كوريا الجنوبية في الماضي، والتي كانت قبل عقود ليست بالكثيرة دكتاتورية عسكرية فقيرة وكان خبراء التنمية قد يئسوا منها عموماً؟ أو في استونيا، التي كانت قبل ثلاثة عقود دولة فقيرة أسيرة للاتحاد السوفييتي؟ لكن كلا منهما اليوم تعد من الديمقراطيات المزدهرة. وكما أن نجاحهما لم يكن مرجحاً قبل عقود، لم يحدث أن تجاهلهما أي رئيس أميركي. بل كان التزام الولايات المتحدة بمستقبل ديمقراطي سلمي لكل من المنطقتين، الواقعتين على طرفي الكرة الأرضية، من قبل رؤساء مثل كارتر وريجان، هو الذي مهد الطريق لنجاحهما. ولماذا ينظر أوباما نظرة تشاؤمية إلى أفغانستان أو أفريقيا؟ إن الصراعات القديمة تعتبر عذراً افتراضياً يمكن الاعتماد عليه. نعم، فالصراع بين السنة والشيعة يعود إلى قرون مضت. لكن «الأحقاد القديمة» موجودة في كل مكان، من أيرلندا الشمالية إلى كارولينا الجنوبية إلى الألزاس واللورين. وسواء أكانت تدار أو تنفجر فهذا نتيجة للخيارات السياسية. إنها ليست مسألة قدر. في مذكراته حول التفاوض لإنهاء حرب البلقان، يتذكر الدبلوماسي الراحل «ريتشارد هولبروك» نائب وزير الخارجية «لورانس ايجلبرجر» وهو يعلن في عام 1992 «حتى يقرر البوسنيون والصرب والكروات وقف قتال بعضهم البعض، لا يوجد شيء في العالم الخارجي يمكن القيام به حيال ذلك». إذن فالعذر، أيضاً، كان نظرية «الأحقاد القديمة»، بحسب ما كتب هولبروك. وأضاف أن «هؤلاء الذين أثاروا ذلك كانوا، في الغالب، يحاولون تبرير عزوفهم أو عدم قدرتهم على التعامل مع مشاكل المنطقة. إن مأساة يوغوسلافيا لم تكن قدراً محتوماً. لقد كانت نتاج القادة السياسيين الأشرار، وبمجرد أن أدركوا أن الولايات المتحدة التي كانت في أوج نفوذها العالمي، قد فصلت نفسها، اتجهوا سريعاً في طريقهم إلى الجحيم». إن ارتباك أوباما بشأن سوريا واضح ومفهوم. وقبل أربع سنوات أيد كبار مستشاريه تدخلا متواضعاً لمنع نشوب حرب أهلية قد تخرج عن نطاق السيطرة، وتنتشر لما وراء الحدود السورية وتعزز التطرف. لكن الرئيس رفض إرشاداتهم، وكانت النتيجة مئات الآلاف من القتلى، وملايين المشردين. وتوترت قارة أوروبا بأكملها بسبب تدفقات اللاجئين والإرهاب، بينما يتضور الأطفال جوعاً. وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده الشهر الماضي، بدا أوباما وكأنه يعترف بالكارثة عندما دافع عن تدخله في ليبيا بالقول إنه لولا هذا التدخل «لكانت لدينا سوريا أخرى». لكن في لحظة سريالية تقريباً ليلة الثلاثاء، أشار إلى سوريا كمثال على «نهجه الأكثر ذكاء، واستراتيجيته الصبورة المنضبطة التي تستخدم كل عنصر من عناصر قوتنا الوطنية». وقال: «هذا هو نهجنا لصراعات مثل سوريا، حيث نتشارك مع القوى المحلية ونقود الجهود الدولية لمساعدة هذا المجتمع المنكسر في الحصول على سلام دائم». ومن المحزن أن الولايات المتحدة التي تعهدت بأن رواندا «لن تتكرر مرة أخرى» تسمح بحدوث مثل هذه الكارثة الإنسانية، وتقف متفردة بينما يتم تدمير شعب بكامله! ـ ـ ــ ـــ فريد حياة* -------------------- *محلل سياسي أميركي ---------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»