على ضوء الاعتداءات المرفوضة على مرافق سفارة المملكة العربية السعودية في طهران، تبدو السياسة الخارجية الإيرانية متضادة وتقع على مفترق طرق خطير، فهي معقدة ويسيطر عليها رجال الدين الشيعة وتتسم بخلافات تكتيكية حادة بين من يُقال بأنهم إصلاحيون يقودهم رئيس الجمهورية، ومتشددون يقودهم المرشد الأعلى للثورة. وينعكس ذلك فيما يطرحه المسؤولون الرسميون الذين يتناوبون الإفصاح عن وجهات النظر الخاصة بكل طرف، ف«المحافظون» يحتكرون لأنفسهم بحق الإشراف والمراقبة على جميع القرارات التي تخص الأمن القومي، بما في ذلك ما يتخذه الرئيس وكبار معاونيه من قرارات. وبالإضافة إلى ذلك فإن «المحافظين» لم يتراجعوا عن الأسس والشعارات القومية المتطرفة التي أطلقتها الثورة خلال سنواتها الأولى. ورغم الاتفاق الذي تم مع الغرب على يد «الإصلاحيين» حول البرنامج النووي، وما يقولونه حول أهمية التحاور على الصعد الثنائية الإقليمية والدولية، إلا أن المتشددين لا يزالون يؤمنون بأن طروحات عالمية الإسلام هي التي يجب أن تقود جميع توجهات بلادهم الخارجية، وبأن تصدير الثورة ونشر المذهب الشيعي الإثنا عشري خارج إيران، وحيازة الأسلحة النووية هي خطوط حمراء يجب ألا تمس، ويتمسكون بموقفهم القائل: «لا شرق ولا غرب، الجمهورية الإسلامية فقط». أما من يطلق عليهم الإصلاحيون (رغم ما يعتقده من أن الطرفين هما وجهان لعملة واحدة)، فيرون بأن تنفيذ السياسة الخارجية الإيرانية يجب أن يستفيد من الفرص الدولية التي تُتاح، وتبرز أمام إيران، ومن النقاشات والتحاور الداخلي، لأن ذلك من شأنه أن يتماشى مع جوهر الإصلاحات المنشودة التي يطرحونها، وسيُمكن الجمهورية الإسلامية من العودة الكاملة إلى المجتمع الدولي. ويعتقد «الإصلاحيون» بأن إيران تضررت في الماضي، ولا زالت تتضرر كثيراً من العزلة التي تعيشها حالياً، ومن العقوبات الصارمة التي فرضها عليها المجتمع الدولي، ومن عدم الاستقرار الإقليمي للبلاد والمغامرات التي فرضها عليها المجتمع الدولي، ومن عدم الاستقرار الإقليمي للبلاد، والمغامرات غير المحسوبة التي مورست، والتي لا يزال البعض منها يمارس، وتتسبب في المزيد من الصعوبات التي تبرز أمامها، ويفضلون أن تلج بلادهم في حوارات وعلاقات سوية مع العالم الخارجي على أسس جديدة. ما يخرج به المرء من مراقبة وقراءة ما يدور في الداخل الإيراني حالياً، هو أن الأوضاع العامة يسودها التوتر وعدم الاستقرار سياسياً واقتصادياً واجتماعياً لأن العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها بسبب تخبط سياستها الخارجية وتداعيات ملفها النووي فعلت فعلها المؤثر سلباً الذي خلق قلاقل وتوترات جدية للنظام الحاسم نتيجة للعديد من الممارسات الغير سوية التي يقوم بها. وهذا يعني أنه توجد توجهات متضاربة ومتضادة في أوساط كافة أعضاء النخبة السياسية - الدينية الشيعية الحاكمة، فالمحافظون المتشددون، وعلى رأسهم المرشد الأعلى للثورة ليسوا على استعداد لإنهاء التوجهات والممارسات القائمة، ويبدو بأن لديهم قناعات بأن بقاء الأوضاع على ما هي عليه ذات فائدة سياسية لهم، وتتسبب في خسائر أقل للبلاد من الاستجابة للضغوط الخارجي. ويقابل ذلك عدم رضى يسرد توجهات العامة والشارع الإيراني، والذي لا يرغب المحافظون المتشددون الاعتراف به اعتقاداً منهم بأن ذلك مخالف لمبادئ الثورة الأساسية التي أرساها روح الله الخميني. وتأتي قضية الاعتداء على البعثة الدبلوماسية السعودية في طهران ضمن سياسات داخلية متخبطة تهدف إلى إلهاء الشارع والمواطن الإيراني البسيط ببطولات وهمية يقوم بها النظام الحاكم، ويصورها لشعبه بأنها تصب في صميم مصالحه على الصعيد الخارجي، بمعنى نقل وإسقاط الفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي الداخلي على قضايا خارجية تشغل بال المواطنين وتلهيهم عن أوضاعهم وهمومهم اليومية كجزء من عملية التخدير التي تمارس بحقهم لكي تبقى النخبة السياسية - الدينية في الحكم، وتبقى معها إيران تسير على غير هدى، وتتخبط في مساراتها الوعرة ومن سيء إلى أسوأ. وهذه اللعبة السياسية مكشوفة جداً، ومارستها أسوأ نظم الحكم بشاعة وديكتاتورية منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.