أوبريت «الفارس» لم يكن عملاً فنياً عابراً، بل كان فعلاً غائراً أخذ من قلوب الحضور وعقولهم التي تابعت هذا العرض الرائع لفارس الشعر والخيل والعقل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله. تُرى ماذا علَّمنا هذا الفارس خلال ساعة ونصف الساعة من حركة الشعر في التاريخ؟ ماذا تعلم الصغير قبل الكبير؟ وبسؤال أحد الأطفال الحضور، وبعفوية الإجابة الفطرية أجاب قائلاً: تجري الرياح بما تشتهي السفن. هذا هو في الحاضر، وقد عرفنا في الماضي بما لا تشتهي السفن. والفرق شاسع بين «بما» و«بما لا»، إنه الإصرار على البناء رغم العواصف ورياح الصرصر العاتية في واقعنا الذي لا يحتاج إلى مزيد من الشرح والتحليل، فقد اختصره بو راشد في ثلاثية الحكمة والسعادة والأمل في المستقبل. هذه الأعمدة الصلبة هي التي تدحر ظلامية الظلاميين وحارقي الحضارات. رسائل المستقبل المشرق كانت واضحة للمستقبِل الذي أدرك جيداً بأن هذا العمل الفني البديع لم يكن الهدف الرئيسي منه هو الترفيه من أجل الترفيه، وإلا فالفضائيات ملأى بأعمال أخذت من أعمارنا ولم تعطنا بالمقابل شيئاً مذكورا. وأجمل فقرة في هذا العمل، تتلخص في رحيل الحكيم عن هذه الأحوال التي هي أحوج إليه، وبقاء الحكمة الأبدية من حولها، فلقد أدمعت أعين البعض وأحزنت قلوب البعض الآخر، بعد أن خيّم صمت الراحل الذي لم يبخل بحكمته على أحد، إلا أن الأمل الممتد كان في التقاط «الفارس» حكمة الراحل عنها لإضافة بعد الزمن الآتي عليه من أجل بناء مدينة خالية من خلايا الظلم والظلاميين، مليئة بإكسير العيش المشترك بين بني البشر بلا فروقات في الأجناس ولا الأعراق، ولا الأديان التي وحدت الإنسان. هذا «الفارس» المغوار الذي يريد أن يعيد الإنسانية إلى أصلها ومكانها الصحيح في طور بناء المستقبل، فهو الذي يسعى دائماً إلى جعل الإنسان هو الحجر الأساس لبناء الحضارات، وفي الإمارات بالذات، لأنها أصبحت مهد المشروعات المستدامة التي تحول الفرد فيها مواطناً أو مقيماً أو زائراً، يحدث فرقاً في هذا البناء الكلي. يبني «الفارس» حلمه على واقع المستحيلات لكي يحيلها إلى واقع آخر لإعاشات البشر بلا حواجز رغم وجودها الغائر في النفوس منذ القدم، إلا أن «الفارس» لديه هدف أسمى وأكبر من نثر درر الشعر ولؤلؤة دبي على الجمهور، فهو الذي قال الشعر الأصيل بعقله النير، وركب الخيل أيضاً بعقله لا برجليه، وبنى هذه المدينة الساحرة بأجمل مخرجات عقله، فهو الفارس في الميادين التي سطر فيها «رؤيتي»، ونثر عليها «ومضات فكر»، وحصن كل ذلك «بقوة الاتحاد» التي تحوي ألمعية حكمة زايد، رحمه الله، و«روح الاتحاد» منذ أن كان شاهداً على قيامه في البراري، وهو إلى اليوم سارٍ. فسارية علم الاتحاد بيد «الفارس» عالية خفاقة ما دامت العيون ترف، والقلوب تخفق، والأنفاس تصعد تلال الصحارى وجبال السيوح وأبراج المعالي والمعاني الشامخات. فهذا هو «الفارس» الذي يريد أن يرى العالم أجمع محرراً من قيود الجهل والإسراف في القتل والسحل، وعبودية الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية. يريد لنا خلق عالم ليس مثالياً بلا مكان، ولكن واقعاً بالمثل الإنسانية السمحة، بعيداً عن نيران الحروب اللاإنسانية الحارقة لكل شعر جميل، وخيل يتخطى الكبوات والسقطات، وعقل عاقل ومتعقل لصروف الزمان، وجعله الميزان الحساس لإطلاق عنانه من سجون إرهاب التطرف وإضاءة كهوف الظلام بأنوار مدينة «الفارس» التي يتم من خلالها الإعلان عن ولادة جديدة للإنسانية الحقة في أبهى صورة وأرقى معنى. هذا هو واقع حلم «الفارس» عندما مرّر أمام الجمهور خيولاً حقيقية من أمام المسرح لبعث رسالة قوية مفادها بأن الخيول المعروضة في المسرح، رسوم يجب أن تصبح خيلاً حقيقية يركبها الناس للانطلاق نحو المستقبل لا بالرسوم المتحركة.. بل بالعقول المحركة للطاقات الإيجابية.