من المفترض أن تطبق المحاكم الاتحادية القوانين التي يقرها الكونجرس. لكن هل يستطيع الكونجرس إملاء النتيجة في قضية معينة مثلما فعل عندما أخبر محكمة اتحادية جزئية في نيويورك بالحكم لصالح ضحايا الإرهاب الذين يحاولون الحصول على ملياري دولار من الحكومة الإيرانية؟ والمحكمة العليا الأميركية تنظر في هذه المسألة بشأن قضية (البنك المركزي الإيراني ضد بيترسون)، وهي قضية صعبة قانونياً وحساسة سياسياً. ومنذ نهاية الحرب الأهلية، ناضلت المحكمة العليا لتوضيح مبدأ استقلال القضاء الذي يمنع إملاء قانون يحدد نتيجة قضية معينة، بينما يعترف بسلطة الكونجرس بإملاء نتائج من خلال قانون أساسي. وبعد الاتفاق النووي الأميركي الإيراني ظهرت القضية القديمة في سياق جديد. وحقائق هذه القضية بسيطة للغاية، فقد رفعت شقيقة جندي من مشاة البحرية الأميركية قُتل في تفجير ثكنات بيروت عام 1983 دعوى ضد حكومة إيران تطالبها بتعويض الضرر. وانضم إلى قضيتها أحد أقارب الذين قتلوا في تفجيرات الخُبر عام 1996 في السعودية المنسوبة لإيران أيضاً. ورفضت حكومة إيران المثول أمام القضاء بالاعتماد على مبدأ حصانة السيادة ومفاده أن الحكومة ذات السيادة لا يمكن مقاضاتها اعتيادياً في محاكم دولة أخرى بدون موافقتها. ومع غياب الدفاع، خسرت إيران القضية، ومن ثم قامت أسر الضحايا بمطالبة السلطات الأميركية بتعقب سندات يمتلكها البنك المركزي الإيراني في عدد من البنوك الأوروبية وصولاً إلى «سيتي بنك» في نيويورك، وقيمة السندات تبلغ ملياري دولار. وهنا تعقدت الأمور قانونياً، فأثناء العرض على القضاء، شنت أسر ضحايا التفجيرات حملة ضغط في الكونجرس، مما أدى إلى إقرار قانون خاص كجزء من قانون تقليص خطر إيران وحقوق الإنسان في سوريا لعام 2012. وذكر هذا القانون أن «الأصول المالية التي تم التعرف عليها وتخضع للمداولات في قضية «بيترسون» وآخرون ضد إيران، يجب أن تستخدم للوفاء بأي حكم يصدر بالتعويض عن الأضرار ضد إيران بسبب الإرهاب. ومن غير المعتاد إلى حد كبير لقانون أن يستهدف قضية معينة خاصة عندما تكون هذه القضية معروضة على القضاء. وردت المحكمة الجزئية بطاعة القانون ومنحت الأصول للأسر. وأيدت محكمة الاستئناف الأميركية للدائرة الثانية الحكم. وتعتمد حجة إيران أمام المحكمة العليا على قضية لعام 1871 تعرف باسم قضية الولايات المتحدة ضد «كلاين»، آنذاك، حاول «الجنوبيون» استخدام المحاكم الاتحادية لاستعادة الممتلكات التي استولى عليها الاتحاد أثناء الحرب الأهلية. فإذا تبين أن المرء كان غير موالٍ أثناء الحرب، فليس من المفترض أن يستعيد ممتلكاته. وأقر الكونجرس قانوناً جاء فيه أنه إذا تلقى أحد أفراد الجنوب عفواً بعد الحرب يجب على المحاكم أن تعامل هذا باعتباره دليلاً قاطعاً على أنه لم يكن موالياً، وبالتالي لا يمكنه استعادة الممتلكات. وأسقطت المحكمة العليا القانون. ولاحظت أن الغرض الأساسي من القانون كان (منع أوامر العفو التي منحها الرئيس من أن يسري مفعولها الذي قضت المحكمة به)، وتحديداً حماية المعفي عنهم من العواقب القانونية لعدم ولائهم السابق. ووضعت المحكمة المشكلة في إطار الفصل بين السلطات. وذكرت أنه لا يمكنها تطبيق القانون دون السماح للهيئة التشريعية بأن تحدد قواعد القرار للفرع القضائي من الحكومة في قضايا معروضة عليه. وهذا يوحي بأنه يمكن تطبيق هذا المبدأ على قضية البنك المركزي الإيراني كما يصر البنك الآن على هذا. لكن الكونجرس لديه سلطة تغيير قانون، بينما يجري الفصل في قضية ما والمفترض في المحاكم اتباع القانون الجديد. وبالإضافة إلى هذا أنه من الصعب للغاية تفسير عدم قدرة الكونجرس على إقرار قانون يطبق على قضية بعينها. فعلى كل حال، فكل القضايا التي يتناولها القانون الاتحادي من المفترض أن يجري البت فيها وفقاً لقرارات الكونجرس. وفي نهاية المطاف فمهما يكن من أمر ما تقرره المحكمة، فهذه ممارسة قد تكون مثيرة للجدل حيث يتدخل الكونجرس في قضايا معروضة على القضاء لإملاء نتائج، ما يضر بمظهر العدالة والعملية القانونية. وإذا خسرت إيران ستقول إن العملية القانونية الأميركية ليست نزيهة. نوح فيلدمان أستاذ القانون الدستوري والدولي في جامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»