صاغ أبناء الإمارات تجربتهم الخاصة في الولوج إلى عالم الصحافة، وطوروا نماذج وأشكالا ارتبطت بهم بقدر ما استفادوا من المنجز الصحفي في محيطهم العربي والعالمي، بهذا التقييم المختصر المفيد، يستهل الدكتور محمد يونس كتابه الجديد «صحافة الإمارات.. من الهواية إلى الاحتراف»، والذي جاء في ستة فصول ونحو ثلاثمائة صفحة، كرسها لشرح العوامل التي مهدت لظهور الصحافة في الإمارات، والمراحل المختلفة لنشأتها والأطوار التي مرت بها، وملامح تجربة الاحتراف الصحفي في الدولة.. فضلا عن اهتمامه بالأشكال والفنون الصحفية التي استخدمتها الصحافة الإماراتية، وأبرز القضايا التي تناولتها. وكما يذكر المؤلف، فقد تضافرت عدة عوامل في ظهور الثقافة بمنطقة الخليج العربي عموماً، وضمنها دولة الإمارات، بما في ذلك العوامل الثقافية والإعلامية؛ فعلاوة على التعليم التقليدي الذي كان سائداً في المنطقة، فقد ظهر تعليم شبه نظامي في النصف الأول من القرن العشرين، من أمثلته «مدرسة ابن خلف» في أبوظبي (عام 1903)، و«المدرسة المحمودية» في الشارقة (1907)، والمدرسة الأحمدية في دبي (19012). ثم تأسست أول مدرسة نظامية في الإمارات، وهي مدرسة القاسمية في الشارقة عام 1953. وكان كثير من خريجي هذه المدارس، وقبلها الكتاتيب، طلائع الصحفيين والكتاب في الإمارات. ويذكر المؤلف عامل الطباعة، والذي مهد الطريق أمام الصحافة، حيث كانت أول مطبعة في الإمارات هي مطبعة الرضوان التي تأسست في دبي عام 1958. كما كان للعوامل السياسية دور مهم في الدفع بظهور الصحافة في الإمارات، لاسيما توق أهلها إلى تكوين دولة الاتحاد التي أسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث صدر العدد الأول من جريدة «الاتحاد» يوم 20 أكتوبر 1969 قبل يوم واحد من وصول حكام الإمارات إلى مدينة أبوظبي لبحث أسس قيام الاتحاد المنشود. لكن قبل الصحافة الإماراتية المطبوعة كانت هناك صحافة إماراتية مخطوطة، وهي تجربة يكرس لها المؤلف فصلا خاصاً من كتابه، فيذكر أن الإمارات شهدت أولى المحاولات الصحفية في نهاية العشرينيات من القرن العشرين، عندما أسس أحد المتعلمين القلائل، ويدعى إبراهيم بن محمد المدفع، أول صحيفة تكتب باليد وتصدر كل أسبوعين في الشارقة باسم «عمان»، وكان يحررها ويوزعها بنفسه. وفي عام 1934 شهدت مدينة العين ميلاد صحيفة خطية أخرى تدعى «النخي» على يد مصبح بن عبيد الظاهري. وينتقل المؤلف إلى مرحلة الصحافة المطبوعة في الإمارات، والتي بدأت بصدور صحيفة «الديار العمانية» عام 1961، وإن كان بعض الباحثين يعتبرون أن مجلة «أخبار دبي» الصادرة في يناير 1965 أول صحيفة إماراتية مطبوعة بالشكل المتعارف عليه. ومن تفحصه لتاريخ الصحافة الإماراتية، يستخلص المؤلف أنها بشكلها الاحترافي قد مرت بمرحلتين رئيسيتين: أولاهما بدأت عام 1965، وقد شهدت تطوراً تقنياً وفنياً في حرفة الصحافة، وبلغ عدد الصحف والدوريات التي صدرت في الإمارات حتى عام 1995 نحو 185 مطبوعة، تعود كلها إلى القطاع الأهلي أو الخاص، باستثناء صحيفتي «الاتحاد» و«البيان». وقد ظلت معظم هذه الصحف تطبع خارج الدولة (في الكويت ولبنان) حتى عام 1972، إذ لم تكن في الإمارات مطابع قادرة على ذلك، أما عن الملامح الرئيسية لهذه المرحلة؛ فأهمها كما يوضح المؤلف: ظهور الصحافة المهنية المؤسسية، ندرة العناصر المواطنة، استقدام تقنيات ووسائل تكنولوجية حديثة إلى المؤسسات الصحفية، الدعم الحكومي للصحف، والتشابه الكبير في المضمون والمادة التحريرية لأغلبيتها. أما المرحلة الثانية، فهي مرحلة النضج التطور، كما يسميها المؤلف، وقد بدأت عام 1995 ومستمرة حتى اليوم، وأهم سماتها: نضج التجربة الصحفية وتعميق الأداء الصحفي، تزايد حضور الكادر الوطني في الصحافة، تزايد استخدام التقنيات الحديثة في الصحف، وظهور النسخ الإلكترونية لعدد كبير من الصحف الإماراتية. وأبرز الصحف الإماراتية، كما يعرضها الدكتور يونس هي: «الاتحاد»، «الخليج»، «الوحدة»، «الفجر»، «البيان»، «الوطن»، «الإمارات اليوم»، «الرؤية».. حيث يناقش أهم مراحل تطورها والتغيرات التي طرأت على مضامينها وخدماتها وموادها التحريرية وملاحقها اليومية والأسبوعية. كما يخصص فصلا للمجلات الإماراتية العربية والصحف الناطقة باللغة الإنجليزية في الدولة، يتبعه بفصل حول «مضمون الصحافة الإماراتية» (الشؤون الاقتصادية.. دراسة حالة)، قبل أن يختم كتابه بفصل حول «الاحتراف الصحفي في التجربة الإماراتية»، ليستكمل صورة المشهد الصحفي الإماراتي، في مكوناته وصيرورته وعوامل تطوره، بكثير من الشمول والدقة والعمق. محمد ولد المنى الكتاب: صحافة الإمارات المؤلف: د. محمد يونس الناشر: دائرة الثقافة والإعلام -الشارقة تاريخ النشر: 2015