بدءاً من عام 2001 وحتى اليوم كانت التقارير الخبرية التي يرسلها باتريك كوكبيرن، كبير مراسلي جريدة «الإندبندنت» البريطانية في الشرق الأوسط، تتصف بالشمول والعمق. وقد مكنته خبرته العريضة بشؤون المنطقة، واعتماده على التواجد المباشر فيها، ومعرفته العميقة بتاريخها وثقافتها من تقديم تنبؤات صائبة إلى حد كبير، خاصة فيما يتعلق بتنظيم «داعش». وفي الكتاب الذي نعرضه هنا، «الفوضى والخلافة.. الجهاديون والغرب والصراع من أجل الشرق الأوسط»، يقدم كوكبيرن صورة متكاملة عن «داعش» والخطورة التي بات يمثلها على المنطقة، كما يكشف خبايا التراجيديا التي تتكشف فصولها في المنطقة. ويتناول المؤلف التنظيمات الجهادية وأسباب ظهورها، ويرى أنه على الرغم من أن تلك التنظيمات كانت قادرة على شن هجمات كبيرة في الدول التي ظهرت بها، وفي الغرب كذلك، فإنها لم تكن تشكل قوة ذات شأن على الأرض عندما بدأت في الاستفحال مطلع القرن الجديد. لكن هذا الوضع تغير فيما بعد، يقول المؤلف، جرّاء الأخطاء الفادحة التي ارتكبها الغرب في أفغانستان والعراق، وجراء تدخله المبتسر في ليبيا، وسوء التقدير الفادح للوضع في سوريا وباقي بلدان «الربيع العربي». هذه الأخطاء، وما اقترن بها من سوء تقدير، أدت لاستفحال المنظمات الجهادية التي تمددت بفضل التمويل والتسليح الذي حصلت عليه من جهات عديدة، محلية وإقليمية ودولية، حيث تمكن «داعش» من بسط نفوذه على مساحات واسعة من العراق وسوريا تزيد عن مساحة بريطانيا. وبعد أن تمدد في أماكن أخرى، كان من الطبيعي أن يوجه اهتمامه نحو الغرب، كما يتضح من الهجمات التي نفذها في عدة مدن غربية. ويرى المؤلف أن السياسات الخاطئة للولايات المتحدة في العراق عقب غزوه عام 2003، وأخطرها حل الجيش العراقي، تغاضت بعد ذلك عن السياسات المذهبية للحكومة المركزية في بغداد وانتقامها من السنة عقب سقوط نظام صدّام، مما جعل هؤلاء يشعرون بالإقصاء والإبعاد وبأن العنف المسلح هو الأسلوب الوحيد لاستعادة نفوذهم، فوفر ذلك بيئة مناسبة لظهور التنظيم الذي أعلن عن تصديه لحماية السنة ضد الشيعة والغرب الذي يدعمهم. بعد ذلك جاء الموقف المائع الذي وقفه الغرب من الصراع في سوريا، ودعمه لجماعات على حساب أخرى، فتمكنت التنظيمات المتطرفة من هزيمة التنظيمات «المعتدلة» وبسط نفوذها على الكثير من المناطق في سوريا. في البداية استهان الغرب بـ«داعش» وقلل من شأنها. وعندما تبين له فيما بعد خطأ تقديره، بدأ التحرك لمواجهة الخطر، لكن كان الوقت متأخراً جداً. ولم تكن الاستجابة المتأخرة بمستوى التهديد الذي يشكله التنظيم الإرهابي. ويرى المؤلف في خاتمة كتابه أن القضاء على «داعش» لن يتم إلا بتحالف يضم الدول الغربية وكافة القوى الأخرى صاحبة المصلحة في إنهاء التنظيم، حتى لو اضطرت للتحالف مع قوى أخرى تبغضها. ووفقاً له فإن هذا المأزق الذي يواجهه الغرب يمثل نتيجة حتمية لزج حكوماته بجيوشها في المنطقة دون معرفةٍ بالحقائق الأساسية فيها، والانخراط في صراعات لم تعرف الأسباب الجوهرية والخلفيات التاريخية لاندلاعها، وعدم مبادرتها بالتحرك لمواجهة التنظيمات الجهادية إلا بعد أن أصبحت تشكل خطراً داهماً عليها. سعيد كامل الكتاب: الفوضى والخلافة.. الجهاديون والغرب في الصراع من أجل الشرق الأوسط المؤلف باتريك كوكبيرن تاريخ النشر: 2016 الناشر: أو آر بووكس